إن طائر الوقت يحلِّق بجناحيه، تاركاً خلفه أياماً مضت لن تعود، متجولاً في أفياء الحاضر، مقبلاً نحو المستقبل، الذي يخفي بين أيامه الأمنيات والأحلام، وشوائب من قلق ومخاوف.
ما الوقت إلا مادة الحياة، إلا أن إحساس الشخص به يختلف من ظرف إلى آخر، فقد يكون ظلاً ثقيلاً كئيباً، يجثم على صدور المرضى والمنتظرين والتعساء، ينسحب ببطء ومرارة، وقد يكون نسائم الخفة والفرحة، سريعة تطوي أجمل الأوقات لدى المحبين والسعداء، الذين يتمنَّون خلود هذا الوقت، وعدم زواله.
طائر الوقت يمضي بسلام، عابراً في رداء الأيام والسنين، التي تتراكم خلفه، يُعاني دوماً من أناس يذمونه في كل عصر وحين، يؤكدون فساده، حين تدبر عنهم الدنيا، يذوقون المرارة والشقاء بعد الحلاوة والهناء، رغم أن التبدل والتغير هو سنّة الحياة، كأنهم يُقيمون جنتهم على هذه الأرض، فلا حزن ولا هم، ولا نقص ولا كرب.
في الكرب والمحن هناك سعادة مخفية، لكنها ليست السعادة شبه المكتملة التي اختبروها يوماً ما. هناك امتحان يظهر الجوهر والمعدن، قد يرافق ذلك إقبال الدنيا على آخرين، حيث سعد حظهم وأقمر.
لوم الزمان وذمّه كانا ديدن أناس كثيرين، ممن مشَوا على هذه البسيطة، غير أن صوت العقل والحكمة يغلب دائماً. وأحد الشعراء سمع ذمّ الزمان وفساده فردَّ على الجالسين معه:
«كلا، إن الزمان وعاء، وما ألقي فيه، خير أو شرّ، كان على حاله». ثم أنشأ يقول:
                 يقولــــــون الزمـــان فســـــــــاد             وهم فســــدوا وما فســـد الزمان

ويقول المتنبي:
                 ألا لا أُري الأحداثَ مَدحاً ولا ذَمّا             فَما بَطشُها جَهلاً ولا كفُّها حِلما

هو الزمان ذاته، ما يختلف هو رد فعل المرء نحوه، فهناك من يروي أيامه بماء قلبه، ينشر المسك والريحان، ويضحك رغم كل شيء. وهناك من يسقيه حنظلاً ومُرّاً، وينتظر الياسمين.