تجربة حياتية تخرج عن دائرة المعتاد. نرى عادة مسناً يتزوج شابة، وهذا دارج جداً لمصلحة ما؟ لكن نادراً ما نرى العكس. كان عمر يان أندريا 28  سنة، (توفي في 2014)، وكان عمرها 66 سنة. كان في عز شبابه، طالباً مجتهداً في إحدى مدن الشمال الفرنسي، بينما كان عمرها قد تخطى الـ60 عاماً. 40 سنة حباً قبل أن تغادره نهائياً تاركة في قلبه فجوة قاسية وفراغاً كبيراً، نتج عن هذا الحب الكبير الكثير من النصوص التي كتبتها متأثرة بتجربتهما العشقية وغيرتها من أصدقائه، نساءً ورجالاً، أو كتبها هو من وحي حياتهما، ومنها روايته السيرية: (هذا الحب) التي نشرها بعد موتها. لم تكن هذه التجربة الإنسانية النادرة حريراً ومخملاً، ولكنها كانت، مثل الحياة، ثلوجاً وعواصف وشموساً ونجوماً في عز فصل الربيع.
كل شيء بدأ بلحظة إعجاب، عندما كان طالباً في مدينة كاين Caen، في نهاية السبعينات، أثناء عرض فيلم. قرأ لها رواية واحدة «أحصنة تاركينيا الصغيرة». من يومها بدأ يشرب الكامباري مثل أبطال الرواية، وبدأ يرقص مثلهم على موسيقى إينديا - سونغ. ثم تجرأ وكتب لها رسالة، لكنها لم ترد عليه على مدى خمس سنوات. فجأة وصلت إليه رسالة منها مرفقة برواية: (الرجل الجالس في البهو). صمت بعدها طويلاً، ثم تجرأ وتلفن لها في «تروفيل» القريبة منه. دعته لزيارتها فاستجاب لها. من يومها لم يغادرها. كان اسمه يان ليمي، فغيره باقتراح منها، ليصبح يان أندريا على اسم أمه. فجأة أصبح بالنسبة إليها كل شيء. الحبيب، الصديق، السكرتير، السائق، الممرض الذي أشرف على وضعها الصحي. كتب كتاباً عن ذلك، لكنه رفض نشره لأنه رأى فيه إهانة لها. عندما التقى يان مارجريت دوراس كانت في حالة انهيارها الكلي. في أمس الحاجة لإنسان يفهم داخلها، كما تقول لور آدلر التي كتبت سيرتها الكاملة. تحمل يان كل شيء من أجلها. لدرجة أن جعلت منه شبيهاً لشخصياتها الروائية، تفعل به ما تريد: تفككه وتعيد تركيبه كما تشاء. حالة من التسلط الحقيقي. تغار من كل علاقاته، حتى الأبسط منها، وترى فيها اعتداء عليها، حتى حياته جيرتها لها، وفق رؤاها. يقول إنه كان يحبها من خلال نصوصها، بينما كانت تحبه من خلاله هو. تكرر دوماً على مسمعيه: (ولأني أحبك، أريد أن أمحوك، لأعيد خلقك). كان الجبروت والسيطرة جزءاً من مزاجها. واستمرت العلاقة على هذه الوتيرة حتى موتها. تركت فيه فراغاً لم يستطع تحمله. فقد كان حب دوراس أيضاً وسيلته للخروج من دائرة اليأس التي عاد لها ولكآبتها بعد موتها. فقد ظل منعزلاً لمدة سنتين كاملتين، في الغرفة التي أهدتها له، مقابل شقتها في شارع سان بونوا في باريس. عاشا 16 سنة نتجت عنها كتب وروايات، وحياة قلقة يصفها في رواية: هذا الحب، وفي الكتابين الآخرين المخصصين لها. يوم دعاه برنار بيفو في حصته الأدبية الشهيرة: (مرق الثقافة) لتقديم كتابه عن دوراس فوجئ بيفو بصمت يان أندريا، وبكلماته المحدودة، وبياض صمته، تماماً كما كانت دوراس تفعل. قبل وفاتها، عينته منفذاً أدبياً وهو الذي أشرف على طباعة أعمالها الكاملة في سلسلة لاپلياد العظيمة. وكما في كل القصص العظيمة، لم يُدعَ يان إلى احتفالية مئوية دوراس، لأن ابنها الأوحد جون مساكولو، رفض ذلك، قبل أن يغيب من المشهد الثقافي نهائياً، ويموت بصمت.