ها قد جاء يطرق أبوابنا، تجلله غيمة من المحبة والجلال والغفران، جاء بعد غياب سنة كاملة، يا إلهي كم مر هذا العام بسرعة، أعمارنا تتسلل من بين أصابعنا من دون أن ندرك، يا إلهي كم مرت علينا أحداث في غيابك، نيران اشتعلت ونيران أُخمدت، حروب اندلعت وأخرى توقفت، لكن اللاجئين ما زالوا كما كانوا، لم يتغير عليهم الكثير.
لا أريد أن أسبب لك صداعاً بكثرة الحديث عما حصل في غيابك، إلا أننا فقدنا أحباباً تعودنا دعوتهم، أو تعودوا دعوتنا، على شرفك، عند تحضير موائد الترحاب بك. عمات وخالات، أصدقاء وصديقات، أخوة وأخوات، أمهات وآباء، وأبناء أيضاً، كل كان له مصابه. لكن «ولا يهمك» وجودك بيننا يخفف المصاب، ويجعلنا ندعو أحباباً آخرين نشاركهم الموائد، ويشاركوننا الدعاء لمن رحلوا عنا.
آه، نسيت أن أخبرك، أن جارنا الذي يسكن في التقاطع المقابل، ينتظرك منذ أكثر من شهرين، أخيراً سيلتفت له الجيران، فيعطونه زكاة أموالهم، ليضع اللحوم والدجاج على مائدة أطفاله. وذاك الذي يسكن على بعد شارعين (الحقيقة نحن الذين ننتظر قدومك لأجله)، فهو يخجل بحضرتك، فيكفّ لسانه عن الآخرين، وتخف حدة الحقد في قلبه، أو على الأقل، لا يستطيع المجاهرة بها احتراماً لوجودك بيننا.
لا نعلم لماذا عندما تأتي، يأتي معك هدوء النفس والسكينة، صوت الأذان يصبح أكثر شجناً، نزداد خشوعاً في الصلاة، ندعو من القلب ونشعر بأن الدعاء استجاب له الله. وجودك غير، الأشياء على بساطتها تتغير بحضورك، يكفي أننا نجتمع كعائلة، كل ليلة، على مائدة واحدة، نردد نفس الدعاء، ونضحك نفس الضحكة على الموضوع نفسه، ونشاهد نفس البرامج التلفزيونية والمسلسلات. سعداء بقدومك فأنت من القلة الذين لا ينسوننا، كم من الزوار لا يتذكروننا حتى لو «في السنة مرة».