تتسمّم اللغة كما يتسمم البدن بالغذاء، وقد يأتي التسمم اللغوي عبر الممتع لغوياً، مثل النكتة والمجاز، ويأتي عبر العقلاني، مثل النقاش ومبارزات الرأي.
وهي حيل ثقافية تتسرب عبرها السموم اللغوية بكل أنواعها، فالنكتة تُشيع الصور النمطية والتحقيرية عن النساء، وعن المختلفين لوناً أو ثقافة، وتتوسل بالمؤلف المجهول، وعبر إخفاء اسم المؤلف صانع النكتة تشيع دون رادع ولا محاسبة، ولا تجد النكتة حرجاً أن تندرج على الألسن دون وجل، وبهذا تتسرب النسقيات لدرجة أن تتسلى المرأة بنكت ضد النساء، وتشوِّه صورهن، بل إن النساء يروين نكتاً عن جنس النساء؛ بحجة أنها للتسلية، وأنها مجرد نكتة، ولكن معانيها النسقية تنغرس في ضمير اللغة، وكلما أضحكت النكتة فهذه علامة على بلوغها أعمق مدلولات المضمر النسقي.
والمجاز اللغوي يلعب لعبة مماثلة، فالشعر والمسرح والحكايات تعزز النسقيات، تحت غطاء المجاز ومقولة «الشعراء ملوك الكلام ويجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم». على أن المجاز وكذلك الأمثال تسير بهما الصيغ النمطية عن البشر، وعن المختلف والمغاير، وهي مادة ثرية لتحفيز النصوص، وبلوغ درجات عليا من التأثير، وكلما غالت وبالغت، بلغت أعلى درجات الاستقبال والاستهلاك الذي يعزز الصور الذهنية، ويجددها كلما سكنت ونامت.
وفي وسائل التواصل الاجتماعي ظهرت النسقيات بقوة عبر صراعات الرأي، والرأي عادة يبدأ محايداً، ولكنه يزداد نسقية كلما ازدادت درجات الاحتكاك بين الرأي والرأي الآخر، حيث تتفجر المخزونات الثقافية، وتبدأ موجات من الحمم البركانية مما كان ساكناً فتتحرك، وتظهر العنصريات بين الفئات وبين الشعوب، ويتحول النقاش إلى معارك لفظية، تنقلب معها اللغة إلى سلاح فتاك، وكما قال الشاعر: وإن الحرب أولها كلام.