نمونا، ونمت معنا أغنياتنا وأشعارنا.
في الإمارات تزاوجت الألحان بأوزان الشعر، فكانت التغرودة والونة والردحة والعازي والحدوة والتشوليب والرقّوصة وأشعار المالَد وغيرها.
وفي قصائده التي قالها قبل أكثر من ثلاثة قرون، توهّج الشاعر العظيم الماجدي بن ظاهر بموسيقى الشعر والغناء، وتكشف لنا إحدى قصائده في وزنها عن إيقاع غنائي لافت، يتماهى مع موسيقى الروح والحياة، ومع حركة سير بعيره المنتظمة على صوت الحادي/ المغني، حين يتبعه، وعلى ظهره الهودج حيث تتربع محبوبته، ليتهادى في سيره بخفة طائر نعامة.
الحادي يغني للجمل، وابن ظاهر يغني لمحبوبته، والجمل المحمّل بمحبوبته يتهادى في سيره على إيقاع ذلك الغناء، وأشعار ابن ظاهر تتهادى على لسانه، وتتماوج، محملة بقلبه وعواطفه. وتختلط الأصوات، والإيقاعات، والأحاسيس، من يغني لمن؟ ومن يرقص لمن؟
يقول ابن ظاهر في وصف البعير الذي يحمل محبوبته:

حسين التهادي بالأظعان شادي    وإلي سمع حادي تعدّى المجيل
مديخٍ براسه صليل اليراسه    ولا يرخي باسه لمتّ اليديل
إلي سمع حس المغنّي وراه    تعلّم من الربد مَشي الهذيل

إنه الإيقاع الغنائي الراقص الذي يتشارك فيه قلب ابن ظاهر وأشعاره والجمل والحادي وطائر النعام. إنها حفلة غناء وحركة وإيقاع.
ولم يغفل ابن ظاهر عن إيقاع صوت خلخال محبوبته، فقال:

وخلخال يخفي الصوت من ملية القدم    وركب عبنٍّ مستدن يزوم

وفي طقس احتفالي ساحر، يصوّر ابن ظاهر في قصيدة أخرى حركة تمايل أشجار النخيل الطويلة مع هبوب الرياح، كأنهن صبايا، كشفن عن وجوههن، وحرّكن شعورهن الطويلة الشبيهة بسعف النخيل، فيملن على بعضهن في إيقاع متماوج، مثلما يتمايل أصحاب الطريقتين «البدرية والرفاعية»:

هَزّاع رُوس النايفات إلي لفى    والنخل زُور غْدورْهِنْ مِـدَّاعِ
هذي على هـذي تِميل لكنها    عَـبَّـادها بَـدْرِيِّـةٍ وِرْفـاعِ
أو ناعِشاتٍ في هـوى زَيّ الغنا    يِلْـعِبِنْ كِشْـفاتٍ بـغير قْناعِ

في شعر ابن ظاهر، تغني القصيدة للحياة، وتغني الحياة للإنسان، ويغني الإنسان للمحبوبة، وللجمل، ويشدو الحمام بشجن حزين، وتغني الرياح قبل سقوط المطر، ويغني المطر للأرض عندما ينزل عليها معانقاً لها.