يقول جبران خليل جبران: «الاعتذار لا يعني أنك على خطأ فقط، بل يعني أنك تقدّر العلاقة مع الآخرين وتمنحها أهمية كبيرة»، فلا أحد يريد أن يظل مصراً على أخطاء ضارة، لأن الاعتذار شجاعة، وقبوله تسامح، ما دمنا بشراً، ينقصنا الكمال.
كلمة «آسف»، ربما تختصر كثيراً من العتب والغضب والمشاعر السلبية. و«أعتذر جداً، لم أكن أقصد الإساءة» عبارة جديرة بالقائل والسامع، وتنم عن تهذيب واحترام، وتسهم في علاقات اجتماعية أكثر تسامحاً وإيجابية وسلاماً. وأي تراجع عن فكرة أو مقولة أو ذنب هو وعي مطلوب، ومن اللائق قبوله من حيث المبدأ، قبل النقاش فيه.
طبعاً. نحن نتحدث عن أخطاء البشر فيما يقولون ويفعلون، وليس عن الجرائم والأفعال المشينة التي لا علاقة لها أساساً بالاعتذار، لأن القانون يعالجها. ونتحدث عن الصفح، باعتباره من أعلى قيم التسامح، لأن من حق المعتذر علينا أن نصغي له، ونمنحه قبول الأسف، فهذا يلهم كثيرين بتبني ثقافة الاعتذار، ويجعلها جزءاً من منظومة القيم الاجتماعية، خصوصاً أن «العفو عند المقدرة من شيم الكرام»، كما ورد في موروثنا العربي الأصيل.
في السياق نفسه، فإن حقنا جميعاً أن نتراجع عن أفكار أو مقولات، كنّا نؤمن بها في مراحل عمرية مبكرة من حياتنا، وعندما كبرنا، وعياً ونضجاً، اكتشفنا أنها كانت خطأ كبيراً، وليس أسوأ من الخطأ إلا الاستمرار فيه؛ ولذلك قررنا أن نطلب الصفح. وحين يقبل الناس بثقافة الاعتذار قاعدة من قواعد الحوار الإنساني والاجتماعي، فذلك يخفف من التشنج والتعصب، ويعكس معنى عميقاً من معاني التسامح.
في المقابل، فإن إغلاق باب الاعتذار يغلق باب العفو، وهذا يعني أن يتحول الناس إلى مجموعات غاضبة ومحتقنة داخل المجتمع الواحد، فميزة الأسف أنه يفتح حواراً في الخطأ، وغالباً هو قادر على إنهاء الخصومات، إذا ما جرى التعامل معه باعتباره جرأة في قول الحق، وندماً على فكرة أو فهم أو موقف، وكل ذلك يستحق الاستماع والاستيعاب والقبول، باحترام ومودة.

ضوء
تقول الحكمة الصينية: «الشجرة لا تحجب ظلها عن الحطاب»، وهو الذي يقسو بفأسه على جذوعها وخضرتها. المطلوب من البشر أقل كثيراً من الأشجار؛ أن يمدوا أياديهم عند كل اعتذار، فهذا من جوهر الكرم.