ارتباط الفن بالسياسة ليس شيئاً جديداً، فهو يشكل امتداداً طبيعياً في التاريخ البشري، سواء كان هذا الارتباط إيجابياً برعاية الفن وتحفيز محبيه وتشجيع رموزه أو العكس حينما يتم تجيير الفن لأهداف سياسية ودعائية أو تتم محاربة الفنان في حرية تعبيره خشية أن يسبب مشاكل تعكر أجواء السياسة. ألم يجتمع، ذات يوم، الزعيم ستالين بالمخرج الروسي الكبير سيرجي أزنشتاين وشريكه في الإخراج غريغوري أليكسندروف، وأمرهم بعمل تغييرات جذرية في فيلم خط الجنرال!.

في إيطاليا وتحديداً ما بين مطلع العشرينات ومطلع الأربعينات، أثناء الحكم الفاشي بقيادة بينيتو موسوليني، كانت السينما في حالة سيئة على مستوى التعبير والانتشار أيضاً، حيث لم تكن الأفلام معروفة في الدول الناطقة باللغة الإنجليزية أو خارج حدود إسبانيا وألمانيا.
وكان النظام حينها قد افتتح ما يسمى «سينيسيتا» أحد مجمعات الإنتاج الكبيرة والتي افتتحها موسوليني بنفسه عام 1937 ولا يمكن أن يخفى الغرض خلف ذلك، إنه المزيد من أفلام الدعاية الشيوعية والبروباغندا والتحكم في توجيه هذا الفن السينمائي، ولذا جاء المصطلح الذي أطلقه الإيطاليون فيما بعد (السنوات الـ20 السوداء).

جانب مضيء
لكن الجانب الآخر المضيء في هذا الأمر، بجانب الفائدة الفنية والاطلاع والتمرس الذي اكتسبته بعض الأسماء التي ستكون لاحقاً ذات أهمية كبرى وشهرة واسعة في سماء السينما الإيطالية، هو أيضاً ما حدث بعد سقوط النظام الفاشي سنة 1943، حينما بدأت ثورة (الواقعية الإيطالية) والتي ألهمت فيما بعد مخرجي السينما الإيطالية، وأثرت بشكل عام في تاريخ السينما العالمية إجمالاً. منذ قام المخرج روبيرتو روسيليني والذي كان شاباً يعمل تحت قيادة المخرج فرانشيسكو دي روبيرتس، فترة ما يسمى السنوات الـ20 السوداء، في تصوير عدد من الأفلام التسجيلية وتجريب بعض الطرق الجديدة في التصوير ليستثمر كل هذا عام 1945، معلناً بداية هذه الواقعية الإيطالية الجديدة حينما قدم فيلمه الشهير (Rome، Open City / روما، مدينة مفتوحة) من كتابة الكاتب الكبير سيرجيو أميدي ومشاركة المخرج الكبير فيدريكو فيلليني وروسيليني نفسه أيضاً ليكون الفيلم حينها أحد أشهر أفلام السينما العالمية والفيلم الأكثر معرفة من الجمهور السينمائي خارج إيطاليا وقد استطاع الترشح لأوسكار أفضل سيناريو بالإضافة إلى فوزه بجائزة لجنة التحكيم الكبرى في «مهرجان كان السينمائي».

ثلاثية
الفيلم يحكي قصة الاحتلال النازي لروما في عام 1944، حينما كان يطارد زعيم المقاومة جورجيو مانفريدي، الذي كان يبحث عن ملجأ وطريقة للهرب. المثير هنا ليس في القصة نفسها فحسب والتي أتبعها روسيليني بفيلمين آخرين، مشكلاً ثلاثية ما يسمى الحرب ومعارضة الفاشية مع فيلمي Paisan عام 1946 ثم فيلم Germany Year Zero عام 1948، وإنما أيضاً في الأسلوب والمعالجة، حيث خرجت الكاميرا في هذه الواقعية الإيطالية الجديدة إلى الشارع بعيداً عن الاستوديوهات، واعتمدت ما يعزز كل شيء واقعي من إضاءة وديكورات حقيقية ومجاميع فعلية وممثلين غير محترفين، إضافة إلى العودة لموضوعات ذات مساس شعبي بعيداً عن النفس الدعائي أو القصص البرجوازية، وهذا ما أكده لاحقاً عام 1946 المخرج الكبير الآخر فيتوريو دي سيكا عبر فيلمه (Shoeshine / ملمعو الأحذية) ثم عام 1948 بفيلمه الأشهر (Bicycle Thieves / سارقو الدراجة)، وMiracle in Milan عام 1951 وUmberto D عام 1952، لتتوالى حينها مجموعة من الأفلام يصنعها عدد من المخرجين الذين يتزعمون ثورة هذا التوجه السينمائي الجديد في إيطاليا مثل غيوسبي دي سانتيس وفيلمه عام 1949 Bitter Rice وفيدريكو فيلليني في فيلمه La strada ومايكل أنجيلو أنطونيوني وفيلمه Il grido ولوشينو فيكسونتي مع فيلم Rocco and His Brothers وأيرمانو أولمي وفيلمه Il Posto وبازوليني مع أحد أشهر أفلامه عام 1962 Mamma Roma، حيث ترسخت حينها موجة الواقعية الإيطالية كواقع سينمائي في العالم أجمع