ارتبطت الموسيقى في المملكة العربية السعودية، نشأة وتاريخاً، بوزارة الإعلام وجمعية الفنون التي كانت الحاضن الأكبر للموسيقى، بعد أن قامت بتعليم الراغبين وذوي الميول والهواة عبر دورات تمت برمجتها زمنياً على مدار العام، هذه الصورة الذهنية التي التصقت بالذاكرة، ولا ننسى الإشارة إلى بعض القطاعات الأخرى، التي عنيت بالموسيقى وأسست معاهد دراسية لذلك، مثل معهد موسيقى القوات المسلحة الذي كان يضم في بداياته أبرز الموسيقيين السعوديين، والذين انتقلوا فيما بعد إلى وزارة الإعلام ومعهد موسيقى الحرس الوطني ومعهد موسيقى الأمن العام. وكان بعض المنتسبين إلى هذه المعاهد يشاركون أحياناً إلى جانب زملائهم في فرقة الإذاعة والتلفزيون بشكل أو بآخر.
وعلى الرغم من عدم وجود مشروع حقيقي للتنمية الموسيقية آنذاك، إلا أن فرقاً موسيقية عديدة ظهرت للسطح وبرزت وأصبحت جزءاً من المشهد الفني السعودي، حيث كانت توجد أربع فرق موسيقية في محافظة جدة، وأربع فرق موسيقية في الرياض، وأربع فرق موسيقية في الدمام والأحساء، وهذه الفرق كانت نواة حقيقية لنهضة موسيقية على مستوى الوطن في ذلك الوقت، لو وجد العقل المدبر حينها وبلور الطموحات وحولها إلى أمر واقع على الورق وقدمها للدولة، لاسيما أن النهضة الإعلامية والثقافية والفنية تزامنت انطلاقتها في وقت واحد في عهد الملك سعود، رحمه الله، الذي دعم العمل الفني والثقافي والإعلامي وعزز كثيراً من جهوده، ليكون جنباً إلى جنب مع مؤسسات الدولة الرامية إلى النهوض بالوطن وتطوير الحياة الاجتماعية، وترقية الذوق العام وتكريس مفهوم الوعي المجتمعي من أجل حياة متطورة، واستمرت الجهود الرامية من أجل تطوير القطاع الموسيقي في المملكة العربية السعودية حكراً على وزارة الإعلام، التي أنشأت فرقاً موسيقية في الرياض وجدة وجمعية الفنون، والتي عملت لتوطين الثقافة الموسيقية عبر الشباب من خلال فرقها ودوراتها التعليمية، بيد أن المرحلة الأصعب هي تلك التي خفَتَ فيها الوهج الموسيقي لدينا منذ عام 1979، حيث تعرض فيها لأقسى مراحل التهميش والإقصاء والتغييب والتجاهل. ومع كل ما سبق ذكره لم تمت الموسيقى السعودية على الإطلاق، بل ظل الموسيقيون والفنانون والمنتجون والمهتمون بالعلوم الموسيقية والنقاد والمراقبين، يطالبون بأن يأخذ النشاط الموسيقي فرصته كسائر أوجه الحياة الأخرى في المملكة العربية السعودية.
حتى وصلنا اليوم إلى العهد الزاهر، عهد الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، وقد أدركت الحكومة السعودية جلياً الحاجة الماسة لإنعاش الحياة الاجتماعية في الداخل السعودي، إذ تم الإعلان عن المشروع الوطني الرائد، مشروع التحول الوطني الذي حدد له 2023، ليكون الجسر الذي نعبر من خلاله إلى مشروع التنمية العظيم 2030، والذي سنعبر عن طريقه إلى العالم المتمدن، وفي هذا المشروع وضعت الحكومة القطاع الثقافي والفني، هو الحصان الأسود في العمل التنموي الكبير الذي يجري تنفيذه حالياً، وأعلنت عن إنشاء المجمع الملكي للفنون الذي سيضم المعاهد الفنية والأكاديميات ومؤسسات التدريب الفني وورشها المطلوبة، وإقامة العديد من البرامج والأنشطة والفعاليات التي تستوعب حاجة المجتمع وتقوم بإنتاجها.
وعليه فإن الدولة قد عينت الملحن الموسيقي عبد الرب إدريس مسؤولاً عن القطاع الموسيقي والفرقة الوطنية للموسيقى المزمع تكوينها، ومن هنا فإن أبرز ملامح احتياجات القطاع الموسيقي في السعودية، أن يكون المسؤول الموسيقي يملك تصور ورؤية المسؤول وليس الموسيقي الفنان، وأن يكون ذا قدرة على رسم استراتيجية لخدمة القطاع الموسيقي في الوطن، ووضع وتصميم البرامج التي من شأنها إحداث الفارق من خلال توفير البنى التحتية التي تنتج محتوى سعودياً يليق بنا.