دخلت علينا في المصعد دافعة بجسدها لتصارع باب المصعد وهو ينغلق في دربها، وبذا اندفعت نحونا شبه مذعورة، وحشرت جسدها بين عربة طفل والمرأة القابضة على طرف العربة، ثم نظرت في وجه الطفل وقالت: خشمه كبير هل هو يهودي؟ فردت عليها الفلبينية مربية الطفل: لا إنه فرنسي. وهنا تدخلت عجوز تقف خلفهما، وقالت: خشوم الفرنسيين كبيرة لأنهم يشمون الخمور. من حسن حظي أني تداركت ضحكتي في منتصف طريقها، حيث لاحظت أن كل من في المصعد لم يضحكوا، أي أنهم تعاملوا مع الجملة بوصفها معلومة وليست نكتة، وكان وجه العجوز جامداً وطبيعياً، مما يؤكد جديتها وليس تنكيتها. بعد هذا التفتت المرأة نحوي وكأنما اختارتني من بين ركاب المصعد، وقالت: هل أنت من سكان لندن؟ وهنا وصل المصعد إلى الدور النهائي وخرجنا كلنا، ولكن الملقوفة وقفت تنتظرني، وواصلت القول في اتجاهي وعيناها تتطايران يميناً ويساراً، وظلت تقول لقد جاءني عرض من عائلة إنجليزية تسكن شمال لندن، بأن أساعدهم في تنظيف بيتهم وغسل الصحون ومصاحبة ربة البيت في الذهاب للسوق، وسيعطونني غرفة أسكن فيها مجاناً مقابل هذه الخدمة. وبما أنك من أهل لندن، فهل تعرف عائلة في وسط المدينة تعطيني عرضاً مماثلاً؟ وظلت تتشكى من صعوبة المواصلات لشمال لندن، وأنها تفضل السير على قدميها لتتجنب دفع قيمة الباص، ولم تنسَ أن تقول إنها من بوليفيا، وإنها تدرس الآن في معهد للتمريض ولا تمانع أن تعمل وتدرس معاً، ثم سألتني أين الحمامات؟ وكيف تخرج من المبنى نحو الشارع العام؟ ثم محطة القطار... وأيهما أقرب هل موقف الباص أم محطة القطار؟، ثم تكرمت بعد كل هذا السيل من لسانها الإكسبرس، وتركتني أجيب، حيث شرحت لها طريق الخروج ومحطة القطار، وقلت وجاهدت لأقول لها، إني لست من أهل لندن وإني زائر عابر وسأعود لبلدي بعد يومين، ولكن جوابي لم يرضها بحجة أني أعرف الطرق، فكيف عرفت وأنا لست من أهل لندن؟ قلت لها: ربما لأني ملقوف زي حضرتك.