وجود أي مهمة في الحياة مرتبط بالأشخاص المستفيدين من هذه المهمة واحتياجاتهم، وبالتالي فإن وجود من يقوم بالمهمة وأهميته ينبعان من وجود جمهوره والمستفيدين من قيامه بدوره، وهي قاعدة تصلح لكل زمان ومكان. تطبيقات هذه القاعدة لا نهاية لها حولنا وتبدأ من نطاق الأسرة وتمتد للمجتمع ككل. وهنا تحضرني الوصيّة الأولى من الوصايا الـ10 لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي وهي (اخدم الناس)، والتي لم يأتِ ترتيبها الأوّل صدفة، بل لنقرأ فيها أن كل ما يتبع لا مكان له من دون تحقيق الغاية من العمل الحكومي، ألا وهي خدمة الناس والمجتمع.
وعلى الرغم من أن المقصود بالوصيّة المسؤولون الحكوميون، إلا أنني أخذت هذه الوصيّة وطبقتها على حالات عدة ترد في الأحاديث اليومية مع الناس، وفي مواقف الحياة الشخصية والعملية، فخرجت بمنظور يغيب أحياناً عن أذهان الناس عند تفكيرهم في أي تحديات تواجههم. وجود الأب والأم في الأسرة وأهميتهما مقترنان بحاجة الأسرة إلى الحب والحماية والتربية والدعمين المعنوي والمادي، فكلّ هذه الأدوار، وعلى رأسها الحب والرعاية، تجعل الأب والأم قائدين للأسرة عن استحقاق، وعندما يغيب قيامهما بدوريهما، لا بد أن تلمس الأسرة تحديات من نوع أو آخر، ولمواجهة هذا التحدّي لا بُد أن ننظر إلى الدور الذي غاب أو اختلّ.
وفي الإطار المهني العملي، يتوقّف وجود أي جهة خاصة أو حكومية على نجاح هذه الجهة في تقديم خدماتها بشكل سهل وفعّال لجمهورها، وبالتالي أي مشكلات تواجه أي جهة حكومية أو خاصة، لا بُد أن يكون البند الأوّل ضمن أسبابها هو شكل من القصور في تقديم الخدمة للناس. وهو ما يجعلني أستحضر مقولة خبير علم الإدارة بيتر دراكر، الذي تحدّث عن ثغرة في أسلوب إدارة المؤسسات، حيث قال: «إن كثيراً مما ندعوه بالإدارة ليس إلّا محاولتنا، كمديرين، جعل قيام الموظفين بدورهم أكثر صعوبة».
مع تقديري للعلوم كافة التي تُدرّس حول العالم عن الإدارة وأساليبها، إلا أن القاعدة الأهم هي: أن وجود أي إنسان ونجاحه ومعنى هذا الوجود مقترن بمدى قدرته على خدمة الناس الذين يعتمدون على دوره، سواءً كان أباً أم زوجاً أم زوجة أم مديراً أم موظفاً أم مدرساً جامعياً، والقائمة لا نهاية لها وتمتد بامتداد أدوار الإنسان في هذه الحياة.
إن لمست خللاً ما في الأسرة أو المؤسسة الحكومية أو الخاصة، ففي رأيي أنت كقائد لهذه المؤسسة قد تُجيب عن السؤال الأهم بطريقة خاطئة: ما الهدف من وجودك ودورك؟ فتكون إجابتك لسؤال مثل: ما مسمّاك الوظيفي بدلاً مما يعنيه هذا المسمى للموظفين والمؤسسة والناس الذين ينتظرون خدمتنا. ولا أجِد أدقّ من كلمات صاحب السمو تحت وصية (اخدم الناس) التي قال فيها: «الغاية من الإدارة الحكومية هي خدمة الناس، الغاية من الوظيفة الحكومية هي خدمة المجتمع، الغاية من الإجراءات والأنظمة والقوانين هي خدمة البشر: لا تنسَ ذلك. لا تمجد الإجراءات، ولا تقدّس القوانين، ولا تعتقد أن الأنظمة أهم من البشر». فلنحرص أن يبقى ذلك حاضراً في مختلف أدوارنا، وإن كان أي عنصر يحول دون أن تكون إجابتنا هي: خدمة الناس فلنقم بتغييره.

إقرأ المزيد:

مع سبق الإصرار!