الإيجابية ليست خاصية موروثة يتمتع بها أشخاص دون غيرهم، أو شعوب دون أخرى، بل هي مهارة مكتسبة كباقي المهارات، يمكن التدرب عليها وتعلمها وإتقانها يوماً بعد يوم بالممارسة. في عالمنا الذي نعيشه لم يعد الحديث عن الإيجابية ترفاً قط، بل يجب أن يكون في صلب التوجهات الرسمية، إذا أردنا أن نحدث تغييراً في مجتمعاتنا، لنصبح جزءاً فاعلاً في حركة التاريخ، وننتقل مع الذين ينتقلون نحو المستقبل بثقة وإحساس بأهميتنا، فالكاتب أمين معلوف ذكر في أحد كتبه «قبول الآخر ليس بأكثر أو أقل طبيعية من نبذه. والمصالحة، والجمع والتبني، والتآلف، وإشاعة السلام هي أعمال إرادية، أعمال حضارية، تتطلب صفاء الذهن والمثابرة، وهي أعمال تكتسب، وتتعلم، ويتربى الإنسان عليها».
فالإيجابية ليست طريقاً «وان واي»، هي طريق ثنائي الاتجاه، تخص الفرد وتنعكس على المجتمع. أن تذهب إلى بلد ما، وترى الناس فقيرهم وغنيهم، مريضهم وصحيحهم، يشكون سوء الحال، فهذا يعني أن خللاً ما يسود الأجواء وهو غير طبيعي بالتأكيد، ويجب البحث بعمق عن أسبابه ومحاولة اجتراء الحلول لهذا الخلل.
ليس هناك أكثر رؤية استشرافية ونظرة مستقبلية مثل تلك التي لخصها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، في كتابه «تأملات في السعادة والإيجابية» وهو مدرك تمام الإدراك لإمكانية استهجان الحديث عن الإيجابية في ظل الظروف التي تمر بها منطقتنا العربية، عندما قال: «أحببت أن أقول لإخواني العرب: لمَ لا نجرب أن نغير نظرتنا لبعض الأمور، ونتحلى بقليل من الإيجابية في تعاملنا مع التحديات التي تواجهنا، ونبقي قليلاً من التفاؤل تستطيع الأجيال الجديدة أن تعيش عليه وأن تحقق ذاتها من خلاله؟ ما دمنا كعرب جربنا الكثير من النظريات والأفكار والمناهج، فلا ضير أن نجرب أن نكون إيجابيين لبعض الوقت». ألم يحن الأوان لنتوقف عن جلد الذات وعن التفكير ليلاً ونهاراً في إطار نظريات المؤامرات فنتوقف تبعاً عن جلد الآخر.
لنحاول أن نلحق بركب السباق الحضاري والمنافسة العالمية، ومن المؤكد سنجد لنا مكاناً على هذا القطار إن حاولنا الصعود.