بدأت مسيرة المغنية شيرين عبد الوهاب، بظهورها عن طريق أستاذها نصر محروس، الذي قدمها للوسط الفني ككشف جديد في الأصوات الغنائية، وهو الذي تعب من أجلها بالتدريب والصقل والتأهيل الفني اللازم. وبمجرد ظهور أغنيتها «آه يا ليل» وذيوعها وانتشارها بدأت الخلافات معه، وبدأت النزاعات ورقعة الخلافات تتسع شيئاً فشيئاً، حتى طفت على السطح بشكل لافت. وانتهت هذه الخلافات بالمحاكم. هنا مربط الفرس، كما يقولون في المثل العربي الشهير، فقد كان هذا الخلاف بين شيرين ونصر عنواناً لشخصية هذا القادم إلى ساحة النجومية، وعالم الأضواء والشهرة. وهذا الأمر يجرّنا إلى سؤال عريض، ما مقومات الفنان الناجح؟ إن الفن لا يعتمد فقط على الصوت الجيد والأداء الجيد والشكل المقبول، إن الفن مسؤولية كبيرة، ولكي تنجح في أن تكون شخصية عامة، هناك مقومات عدة، أهمها أن تكون على قدر المسؤولية، وأن تتحلى بالأخلاق الحميدة، وأن تنزل الناس منازلهم، وأن تعرف حدودك أين تبدأ وأين تنتهي، وأن يتسم ظهورك دائماً بالانضباط التام، والبعد كل البعد عن تلك السلوكيات التي لا تحمد عقباها، وأن تدرك مغبة أي أمر تقوم به، فأنت تحت المجهر، بمعنى طالما ارتضيت أن تكون شخصية عامة، فإن لذلك الأمر اشتراطات عليك الالتزام بها، وإلا فإنك ستكون عرضة للملاحظات والمساءلة، وأن تضع جل تفكيرك في بناء سمعة إيجابية ومكانة محمودة، خلال وجودك في المشهد الفني العام.
وبالنظر إلى تلك الاشتراطات الفنية وعلاقتها بشيرين، نلمس عدم توفر الاستعداد لدى شيرين لأن تعمل بها، وهو ما جعلها عرضة للوقوع تحت طائلة المخالفات القانونية، التي تستوجب تطبيق الأنظمة حيالها، وصدور أحكام قضائية بالجملة عليها طيلة السنوات الماضية، وانخراطها في ترّهات وإشكالات لا حصر لها، مما يكشف ضعف الوازع الفني لديها، فهي على الرغم من حلاوة صوتها وأدائها المثير للغاية، إلا أن عدم إدراكها لموجبات الفن عليها وضرورة التزامها بالمعايير الفنية، على الأقل بالحد الأدنى منها، التي تكفل لها المضي قدماً نحو درجات النجاح بثبات، قلل من قيمة وجودة العطاء الذي تقدمه وأصبح ارتباطها بالقضايا والمشاكل والمحاكم، والتوقف والمنع والاعتزال والأزمات النفسية، أكثر من وجودها الفني المطلوب. وبالنظر إلى القضايا المرفوعة عليها، والإشكالات التي وقعت فيها بقصد ومن دون قصد، سنجد أنها تقف بجوار أغنياتها كماً وكيفاً وعدداً، وفي خضم هذا الأمر نجد أننا أمام شخصية تحتاج إلى تشخيص دقيق، ما الذي يجعلها تقع باستمرار في المشكلات؟ وهل هي على قدر المسؤولية التي تستوجب معالجة خلافاتها وقضاياها، والبعد عنها، وعدم الرجوع إليها مرة أخرى؟
لقد أمضت شيرين سنوات من عمرها في المحاكم والقضايا والخلافات مع عرابها الأول نصر محروس، وما أن أُقفل ملف نصر محروس حتى فتحت ملفات عديدة بعده، هل يعقل أن يكون هذا الوضع طبيعياً؟ مستحيل طبعاً، فعلى مدار العقدين الأخيرين من الزمن تسيّدت شيرين الساحة بقضاياها وخلافاتها وسلوكياتها. ولا يفوتني هنا أن أشير إلى أنه عند مشاركتها في أحد البرامج التلفزيونية كعضو في لجنة التحكيم، بجوار زملاء لها مثل كاظم الساهر وصابر الرباعي وعاصي الحلاني، رفعت حذاءها أمام المشاهدين لتعلن رأيها حول جودة أحد المشاركين في البرنامج، الأمر الذي نجم عنه استهجان واستياء عارم من المشاهدين والجمهور لهذه السلوكيات، وفي الوقت الذي تملك فيه شيرين سجلاً حافلاً بالمخالفات والأخطاء والقضايا والمشاكل وهو ما يتنافى البتة مع المكون الفني وأهدافه وقيمه، وكمحصلة حتمية للقاعدة المعروفة ما بني على باطل فهو باطل، فإن آخر قضاياها التي استوجبت إيقافها عن العمل الفني، وتحويلها للمحكمة من قبل نقابة المهن الموسيقية برئاسة الفنان هاني شاكر، كانت بعد انزلاقها في سلوكيات مرفوضة، كان لا بد من ضبطها بموجب الأنظمة والقوانين المرعية في هذا الشأن.