تذكرون تلك اللحظة التي تجوبون فيها أنحاء المنزل كافة بحثاً عن شيء كان بين أيديكم منذ لحظات مثل مفتاح السيارة أو الهاتف المتحرك وغيرهما الكثير من الأشياء! ثم تعثرون عليه وتكتشفون أنه كان تحت أعينكم طيلة الوقت ولكن لم تروه. هذه جميعاً أشياء بسيطة نُضيعها للحظات ثم نجدها، ولكنّ هناك جانباً من شخصياتنا بعضُنا فقده وآخرون يُضيعونه ثم يعثرون عليه وقلة هم الذين لا يزالون يحتفلون به يومياً، أتحدّث عن مرح وتفاؤل الطفولة الذي لا يحتاج إلى مقدمات ليكون الطفل في قمة السعادة بعد لحظات من موجة بُكاء أو غضب.
دار بيني وبين إحدى الصديقات حديث مطوّل مؤخراً عن سرّ استمتاعي الكبير بأمور بسيطة، مثل المشي في شارع مليء بالرسم على الجدران، أو السفر في نهاية الأسبوع لمجرّد رؤية معرض للزهور في دولة شقيقة، وحرصي على أن تكون إجازاتي السنوية في الأماكن المليئة بالاستكشاف التي تحتاج إلى مجهود بدني، بينما الأصل في الإجازة أن تكون للراحة والاسترخاء، فرددت عليها أنني في بحث مستمر عن الطفلة في داخلي وإحياء كل ما يتعلّق بشخصية الأطفال من المرح الذي ينعش الروح وسط مسؤوليات الحياة المتعددة، وهو أمرٌ أفعله مع سبق الإصرار والترصد.
ما أثار الحديث صورة نشرتها ضمن «ستوري انستجرام» تُظهرني وأنا مستغرقة في الاستمتاع ببتلات الورد خلال زيارتي مؤخراً لمهرجان زهور الطائف وهي فقرة متاحة ضمن طقوس المهرجان، وأنا بطبيعتي لا أفوّت مثل هذه اللحظات فهي تُشبه موسم الرحلات مع والدي رحمه الله ووالدتي عندما كنت أندفع لأتفقّد رسوماً ما على الجدار أو أسارع إلى الاستلقاء على الأعشاب في أحد المتنزهات هنا في الإمارات أو خلال سفرنا.
كثيرون منّا الذين يشتكون من قسوة الحياة وجفاف حياتهم من لحظات السعادة يعزون ذلك لكثرة الانشغال ومتطلبات العمل وطول ساعاته، لكن من وجهة نظري أنهم قد يكونون فقدوا الاتصال بطفولتهم وسط كل ذلك، وأؤمن بأن الحل بسيط جداً وهو السماح لأنفسنا بأن نكون أطفالاً وألا نخجل من السعادة والمرح الطفولي. يجوز أن تكون مسؤولاً وموظفاً يتولى مسؤوليات كبيرة واستراتيجية وفي الوقت ذاته تُجيد فن الاستمتاع بالحياة، هذا الاستمتاع الذي لا يرتبط بقدرة مالية أو مستوى معيشي، بل يحتاج فقط إلى أن يكون لدينا سبق الإصرار على الاستمتاع بتفاصيل الحياة حولنا.
أريد منّا أن نتفق بعد قراءة هذه السطور أن تُقدموا على هذه السعادة العفوية كلّما سنحت لكم الفرصة، وألا تحبسوا أنفسكم وراء قضبان قيود لا وجود لها سوى في أذهانكم. هل ستخشون أن يتم العثور عليكم متلبسين بمرح طفولي بريء عبر قنواتكم للتواصل الاجتماعي أو شخصياً، من منكم لديه مهارة سبق الإصرار والترصد للفرح؟