تقول بعض القواميس إن مصطلح (مجرد كذا) هو تعبير لا معنى له، كأن تقول هي مجرد فكرة، فالأصل أنها فكرة ولم تضف كلمة مجرد لها إلا محاولة للتقليل من أهميتها، ومجرد موقف كذلك، حيث لا يصبح موقفاً يعتد به، لأن كلمة مجرد سبقت الموقف.
وإن كان البعض لا يرى فيها التقليل من شأن ما سيتبعها، فإن البعض يضيف كلمة مجرد لما سيقوله من باب التلطف في القول، فلا يريد أن يعلن أن لديه فكرة ما، ويخشى ألا تكون مصيبة، فيلتمس العذر مسبقاً حين يقول مجرد فكرة، أي أنها قابلة للرفض والقبول، بخلاف من يقول إن لديه فكرة فيكون وقتها ممتلئاً بها ومقتنعاً، وأحياناً يقول إن لديه فكرة، وما إن يرفضها المستمع حتى يقول كانت مجرد فكرة.
وفي أيامنا هذه أصبحت كلمة مجرد لازمة للكثير من أحاديثنا، فكأننا نمارس دبلوماسية الحديث، وعدم الرغبة في فرض رأي معين، وقد تعدت الكلمة الفكرة، التي دائماً ما تكون لصيقة بها، إلى أن هناك علاقات حب ما إن تنتهي حتى يقول عنها إنها مجرد علاقة وانتهت، مع أن الحب يبدأ بمجرد نظرة عابرة ثم مجرد سلام عابر، ثم مجرد كلام، وتأتي البقية كما جمعها الشاعر أحمد شوقي ببيت من الشعر، ملخصاً الحب بست كلمات:
نظرة فابتسامة فسلام      فكلام فموعد فلقاء
لقد أصبحنا نعتذر عما فشلنا فيه بأنه كان مجرد، وحين يكون هناك زعل بين اثنين ثم يتصالحان، يقال كان مجرد خلاف بسيط، وأصبح من المستهجن أن نسمع كلمة مجرد بأمور جميلة وكبيرة، فلا أحد يقول إنه مجرد حب كبير، أو مجرد صداقة قديمة، بينما نقول مجرد علاقة عابرة ومجرد معرفة سطحية.
إن طبيعة الحياة المتسارعة جعلت العلاقات مجردة، والمواقف والمبادئ مجردة، أي أننا لا نتحمل المسؤولية عنها، ونكون أقرب لرفضها من تبنيها، ونحن إلى نكرانها أسرع مما يظن بنا الآخرون، فكأن حياتنا أصبحت مجرد حياة نعيشها مرغمين، فلا نحن نرى فيها ما يدعو إلى الديمومة ولا هي تغري بما يستحق الثبات عليه إلا ثوابت الأمة بمختلف مستوياتها، فلا يكون حب الوطن مجرد حب، ولا خيانته مجرد خيانة، هنا تعتذر كلمة مجرد ولا تقترب من الثوابت، وما عداها فهي تسرح ما تشاء.

شـعر

هواكِ الأعزُّ هواكِ المخلدْ
حنانك جمرٌ وشوقك نهرٌ
حبكِ رغم اقترابي أبعدْ
ووعدك بالوصلِ
رسمنا معاً قصةً من سرابٍ
مازال أبردْ
وطفنا بها موسماً من خرابٍ
وإن سألوكِ عن الحب يوماً
وعدنا بكل انكسارٍ نغردْ
تقولين إن الغرام تفردْ
قديمُ الغرامِ لدينا تجددْ
مجردَ حبٍّ وحبٍّ مجردْ