في زمن نحن فيه أقدر على الاختلاف من الانسجام، نختلف على كل التفاصيل، من الحقيقة لتأويلاتها وتفسيراتها. يدعي كل طرف أنه يمتلك الحقيقة المطلقة، بينما الحقيقة نسبية، واليقين مختلف عليه، وقد ينتهي العمر من دون الوصول إليه. تعقيدات دواخلنا تفرض علينا الإيمان بضرورة تعريف ما كان معرفاً، نحتاج أحياناً إعادة تعريف ذواتنا وليس مفاهيمنا فحسب، أو على الأقل نحتاج أن نتعمق في هذه الذوات لأنها بطبيعتها خيرة.
العالم يتغير بسرعة الضوء، لكن مهما تغير، هناك قيم وظواهر إنسانية وحضارية توصلنا إلى جوهر الرقي، التسامح أبرزها. في ديننا نتعلم، منذ نعومة أظفارنا، أن الله جعلنا شعوباً وقبائل لنتعارف لا لنتقاتل، وفي ديننا أيضاً نتعلم أن الخطاب باللين هو الناجع {وَلَوْ كُنتَ فَظاًّ غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} صدق الله العظيم. وكذا أن يركع بابا الفاتيكان ويقبل أقدام قادة جنوب السودان يعني حاجته أن يرى التسامح متمثلاً في أداء هؤلاء، خاصة بعد مقتل ما يقرب من نصف مليون شخص، في حروب عبثية لمصالح شخصية، «أنا على الأقل لا أستطيع قراءة موقفه إلا بهذه الطريقة». فالتسامح هو القيمة المثلى التي ترتفع على مستوى الصح والخطأ، وهو جوهر الجمال في هذا الكون.
أن تتسامح يفترض بك ألا تعتقد أنك الأعلى والآخر أدنى، وأنك تتفضل عليه بتسامحك معه. بغض النظر عن من هو الآخر المختلف عنك في ثروته أو جنسه أو لونه أو عرقه أو ديانته. الالتفات لجوهر البشر بمعزل عن مظهرهم الخارجي، هو الذي يغيرنا. عندما تنظر إلى الآخر بمستوى عينيك وأنت مستقيم الرأس وليست نظرة من علٍ، تكون حققت المنشود. الإمارات أدركت أهمية هذه القيمة منذ تأسيسها، ولكنها ارتأت أن تعبر عن ضرورة عدم تجاهلها إطلاقاً، بتسمية عام 2019 عام التسامح، والشعار «أيادٍ متصافحة.. قلوب متسامحة»، أردده بشكل معكوس دائماً «قلوب متصافحة.. أيادٍ متسامحة». هكذا أحبه.

إقرأ المزيد:

تغيرنا أم فقط انكشفنا؟