مرت عليّ سنتان في إكستر جنوب غرب بريطانيا، وكنت أعرف من الخرائط أن هناك شارعاً اسمه شارع البرلمان ويقع وسط المدينة، وكان دأبي مثل كل الناس أن أذهب كل سبت للتسوق، ولكني لم ألحظ شارعاً بهذا الاسم إلى أن جاءت الحملة الانتخابية عام 1974، وكانت حامية الوطيس حينها ومشتعلة، مما حرك عندي الرغبة الرمزية للمرور على شارع البرلمان، ووقعت في حيرة رائحاً وغادياً وسط الممرات، وبعد عناء اكتشفت فتحة صغيرة بين معرضين كبيرين، ولمحت لوحة تقول: شارع البرلمان، ودخلت الشارع الذي مررت من جواره مئات المرات ولم ألحظه، وإذا به شويرع من نصف متر عرضاً و10 أمتار طولاً، وفي يمينه باب واحد عليه رقم بريدي، كان ضيقاً لدرجة أني قلت في نفسي لو قابلني أحد فمن يتراجع منا للخلف لكي يسمح بمرور الآخر، ولكن قصر الطريق رفع عني هذا التساؤل. ومن يومها صرت آخذ ضيوفي لهذا الشارع لأقحمهم فيه، حتى صار من أعاجيب مزحاتي مع زملائي. ثم جاءت الفكرة الرمزية عن أن شارع البرلمان لا يتسع إلا لجسد واحد، وكنت أنظر إلى لوحات الدعايات الانتخابية، وعدد المتنافسين يومها عن مدينة إكستر قد بلغ خمسة متنافسين، وكانوا يحضرون في قاعة البلدية المجاورة لذاك الشارع، حيث يعرضون خططهم على الناخبين ويناقشون أسئلة الناس، وما كنت أفوت الفرص حينها إذا حانت، وقد حانت لي فرصة لسؤال طلبت السماح بطرحه على النواب المتنافسين، فطرحت فكرة ضيق ذلك الشارع وتساءلت إن كانت المؤسسة تتعمد تضييق طريق البرلمان حتى لا يفوز إلا من هو مدعوم حزبياً ويتعثر المستقلون، ولم يعجب بسؤالي إلا المرشح المستقل الذي وجد فرصة كأني أهديتها له من دون قصد، فانطلق يهاجم المؤسسة ويهاجم السلطوية الحزبية، ويدعو الحضور إلى التصويت له، بما أنه مستقل ويستطيع أن يمثلهم من دون ضغوط حزبية، ولكنه لم يحظَ إلا بتصفيق قليل بما أن الحضور كلهم متحزبون وملتزمون حزبياً، وانتهت النتائج في ذلك العام من دون أن أرى صورة صاحبنا في الصفحات الأولى من جريدة المدينة. وهكذا ضاق شارع البرلمان على رجل مستقل ولم يعبر الأمتار الـ10 ورجع من حيث دخل.