في زيارتي الأخيرة للبحرين، زرت رمزاً بحرينياً شهيراً، وحارساً من حراس القصيدة والفن والجمال، الشاعر علي الشرقاوي في منطقة الهملة، لا لأعوده على سرير الشفاء من «تصلب الشرايين»، المصاب به منذ 2016، إنما لأرى كيف تنحاز القصيدة للحياة، وتتشبث بها، ولأرى كيف تواجه روح الشاعر المرض بالتفاؤل والقوة والشجاعة.
«ذاكرة المواقد»، كما كتبها علي الشرقاوي في 1988، لا تزال مشتعلة بالتفاصيل والشعر والعزيمة، وقربه جلسنا؛ الشاعرتان الإماراتية ميرة القاسم، والبحرينية هنادي الجودر، وأنا القادمة من أبوظبي. عاصمة الإمارات التي كان لاسمها وقع سعيد عليه، فقال سريعاً: «بجيكم بوظبي قريب».

في حضرة علي الشرقاوي جلسنا، لا لنرفع من معنوياته في محنته المرضية، جئنا نستمد من إرادته اليقين بأن القصيدة لا تمرض، وبأن ذاكرة الشعر عصية على النسيان، فكانت جلسة ودودة، حرص فيها على طمأنتنا أنه بخير، فكرّر مراراً: «أنا قوي بكم» و«طول ما أنتم زينين.. أنا زين»، وتشد قصيدته من أزرنا وأزره، حين يتذكرها، فنسمع له: «لأنّكْ عظيمْ وقويْ شديتْ بك راسي يا عبيدْ/‏ وانت شراعْ خطف حطْ في القلب راسي/‏ زرّاعْ بذرة أمل والمايْ من دارهْ يا عبيدْ».
هذا هو علي الشرقاوي، كما عرفته المجلات والصحف العربية شاعراً منذ قصائده الأولى فيها عام 1968، وكما عرفته المسارح والمهرجانات العربية قامة أدبية شامخة، وتكريمه الآن بأكثر ما يكون عليه التكريم من تقدير واعتزاز، هو ما يستحقه تاريخه وإبداعه وإسهامه الكبير في الثقافة العربية المعاصرة، تكريم للذائقة الراقية والجمال والإصرار على أن زمن القصيدة والأغنية والمسرح لا يزال مستمراً، إنه زمن علي الشرقاوي منذ ديوانه «الرعد في مواسم القحط» 1975، و«نخلة القلب» 1981، و«الهجس والاحتمال» 1983، وغيرها في مسيرة عقود من الإبداع.

ضوء
معاك في الحلوة والمـرة     معاك يا حليوة يا سمرة
معاك في الروحة والجيـة    معاك أطـوي العمر طية
هذا المقطع الغنائي من حديقة علي الشرقاوي، التي سيعود لها قريباً ويعتني بأزهارها، كما كان، وقد شدا به فنان البحرين الكبير الموسيقار خالد الشيخ في حفل تكريمه مؤخراً، ولم يغالب دموعه على المسرح، وعلينا جميعاً أن نتخيل أي فتنة تلك إذا اجتمع الشرقاوي والشيخ في صوت واحد.

إقرأ المزيد:

لغات الرقص