تستيقظ من النوم، تتجه مباشرة نحو هاتفك المحمول، لمعرفة آخر الأجواء حول فكرة معينة أو هاشتاغ أو خبر معين، فيفاجئك حجم السلبية والحقد والكراهية التي تقرؤها أو تسمعها، من تفاعل الناس مع هذا الحدث أو ذاك. مما يدعوك للتساؤل حول ما إذا كان كم هذا الكبت والحقد موجوداً أصلاً في دواخلنا، ووجد طريقه للخروج عبر هذه الوسيلة، من خلف «كيبورد» وتحت اسم مستعار؟ أم أن الفراغ، والرغبة في المشاركة في الرأي، التي لم تكن متاحة قبل وسائل التواصل الاجتماعي، وقبل الإنترنت في منطقتنا، هي السبب؟ بالذات كون التعبير عن الرأي لم يكن متاحاً إطلاقاً ولم نتربَّ على ثقافة «الهايد بارك» ولا في أي بلد عربي. ثم تتساءل إن كان التعبير عن الرأي يبرر الشتم والتعصب والتجريح واغتيال الشخصية، وفي هذه الحالة، أين الفرق بين الاختلاف في الرأي والخلاف الشخصي، أو المبني على قواعد شخصية؟
يفاجئك أن الجميع يريد أن يدلي بدلوه من دون تحقق، فيعتمد على نصف القراءة ونصف الفهم، فيشكل موقفاً من نصف موقف، ويصبح مساهماً دون تحمل مسؤولية في نقل ونشر شائعة، وأنا هنا أتحدث عن الجهات غير المنظمة التي هي ليست «جيوشاً إلكترونية» فهذه فيها أقوال أخرى.
مما لا شك فيه، أن تجاهل النفوذ الهائل لسلطة وسائل التواصل صعب إن لم يكن مستحيلاً، فهي أصبحت قوة حقيقية لإحداث تغييرات مجتمعية حقيقية، ولها القدرة على التثقيف والإصلاح والحض على التغيير، من خلال قوة الأصوات المرتفعة عبر الإنترنت، من دون حاجة لتجمعات بشرية حقيقية كالاعتصامات والمظاهرات وغيرها. هذا ملحوظ عند نقاش الأولويات والقضايا المهمة سواء على الصعيد الاجتماعي أم الاقتصادي أم حتى السياسي. كما أن لهذه الوسائل التأثير الواضح على تطور الأعمال التجارية، وآليات التفاعل بين الحكومات ومواطنيها من أجل إحداث تغييرات حقيقية تتفق مع طموح الشعوب، وقدرة الحكومات على التعامل مع قضايا شعوبها. لكن كل هذا لا علاقة له ولا يمت بصلة لما نقرؤه أو نتابعه أو نشاهده، في أحيان كثيرة للأسف، من غل وحقد وكراهية لأسباب غير مبررة على الإطلاق.
فهل تغير العالم مع هذه الوسائل أم أننا نحن الذين تغيرنا؟ وهل تغيرنا فعلاً أم أن حقيقتنا انكشفت، وهذا كل ما في الأمر؟