إن الله قد خلق الناس أجناساً وألسناً مختلفة، متفاوتين بالرزق، فهناك الغني وهناك الفقير، وهناك الغني وهناك الأغنى، والفقير والأفقر، في سلم اجتماعي طويل متفاوت الدرجات.

هذا التفاوت جعل الناس متفرقة بأسلوب المعيشة والحياة، وبأسلوب الرفاهية والتعامل مع الكماليات، ففي الوقت الذي يملك البعض كل ما يحتاجه الإنسان، وهنا من لا يملك حتى قوت يومه، وعلاقته بالكماليات بأنه مفردة غير موجودة في حياته، وهو أمر طبيعي أملته الحالة المادية.

وهناك تفاوت تمليه الحالة الصحية، لشخص معافى ويمارس الرياضة في أندية رياضية، وصالات تدريب مع مدربين متخصصين، وآخر لا تساعده بنيته الجسمانية على ممارسة الرياضة، وهنا تفاوت بالوسامة بين رجل وسيم تحيط به المعجبات، وآخر ليست لديه ما تتمناه الفتاة به من وسامة وجاذبية.

أسباب التفاوت وما يفرق بين الناس كثيرة، ولكن في المقابل هناك ما يجمع البشر جميعاً، ولا يمكن أن نقول لماذا هذا وليس هذا، فلا أسباب تحول من دون أن تتوحد الناس بأمر ما، أو أن يفرقها، فلا يقال كيف ذلك حدث وكأنه أمر لا يصيب إلا فئة معينة.

المرض، لا يفرق بين الناس، وقد يحرص البعض على الفوارق التي تعود عليها، فيكون في جناح خاص في المستشفى، ويكون الفقير في سرير بغرفة جماعية، المظهر الخارجي يوحي بالفرق، بينما المرض يجمعهم، والدواء ذاته يجمعهم، والإبرة والمغذي ذاتهما، والمشرط ذاته في العملية يجمعهم، كما تجمعهم صلاة الجماعة في المسجد.

ويجمع الناس جميعاً الإنجاب، ويجمعهم ما يترتب على ذلك من وجود عقوق بالولد أو بر بوالديه، فالولد العاق يحزن جميع الأمهات والآباء، والولد البار الناجح يفرح الجميع، وعدم القدرة على الإنجاب تجمع فئة خاصة، ليست لها علاقة بالوضع المادي المفرق عادة.

الجوع يجمع الجميع، والنعاس يجمع الجميع، بغض النظر عما سيأكل هذا وما سيأكل ذاك، وأين وكيف ينام هذا وكيف ينام ذاك، هناك سلوك بشري فطري يجمع الجميع، وكما يجمع البكاء البشر، كذلك يجمع الضحك بين الناس، فالضحكة ذاتها من أدغال أفريقيا إلى القطب الشمالي.

ما يجمع الناس إذاً هو فطري عادة، وما يفرقهم هو أمر طارئ قد يتغير بعد فترة، وأهم ما يجمع الناس هو الموت، وهل من جامع أكبر منه في الحياة، فقد خلق الله الموت أولاً ثم خلق الحياة، ونحن نعيش الحياة الطارئة علينا بعد أن خلق الله قبلها الموت، وكل حياة بعدها موت، فهو الجامع الأكبر والأوحد الذي لا خلاف حوله، فما يفرق بين البشر الكثير، وهو لا خلاف عليه، وما يجمع البشر هو الأهم والأصعب.

شـعر
أنا لا أعرفُ أحزان السفرْ

أنا لا أعرف أشواك الحنين

حينما يجمعنا يوماً مطارْ

حينما يدخل ليل العاشقين

إنما أذكرُ وجهاً قد حضرْ

حينما يدخل كاللص ويمضي

أشعلَ الحزنَ وأهداني انكسارْ

بعد أن يتلف صبراً كي يلين

فالندى نعرفه صبحاً معاً

كل شيء حولنا يجمعنا

كيف قد داهمني دون انتظارْ

إلا لقاءٌ لم يزل منذ سنين