ليس «تويتر» معجزة تواصلية تكنولوجية فحسب، بل هو معجزة سلوكية، ولا شك في أن الثقافة تكتنز بالحكم التي تضبط قوانين التواصل وعلاقة البشر بالبشر، وتعطي صيغة لما يجب أن تفعله كلما اعتراك أمر، ومنها مقولة خالدة لأحمد بن حنبل تقول: «تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل»، ودرج الناس على حفظها، مثلها مثل كل ما في المدونات من مقولات تطرب لها حين تسمعها، وقد تحفظها، وغالباً تستخدمها لنصح غيرك، ولكنها تضيع من رأسك حين تقع في ظرف يحتاجها لضبط رد فعلك، وتنتهي بأن ترتكب ما هو نقيضها من تصرف انفعالي معتاد.
ولكن «تويتر» حين شاع، ودخل إليه أنواع من البشر، واختلط النخبوي بالعادي، ونشأ جو من التبادل اللفظي الحر الذي لا يقيم شأنا للتحصينات الفئوية والطبقية، وهنا يتعرض الكل لوابل من القصف اللفظي، وقد يبلغ حد التوحش اللغوي، والقذف المباشر الذي يشهده كل المتابعين، وهنا يقوم الامتحان الحق لقدرات المرء النفسية والخلقية والسلوكية، فإن عضّ الكلب الذي عضّه صار مثله، (حسب كلمة غاندي عن الثأر)، وإن رد عليه بأدب نجح مع البعض، ولكنه سيخفق حتماً مع آخرين، وفي التجارب، أن التعامل المتصل مع «تويتر» يعطيك فرصة للتمييز بين أنواع الشاتمين، وستكشف الشاتم المتمرس الذي ديدنه الشتم، وهنا تأتي مقولة ابن حنبل، ويأتي قانون التغافل، وهو يختلف عن التجاهل، لأن التجاهل من التعالي واحتقار الآخر.
أما التغافل فهو كف الأذى وترك الشاتم لنفسه، لا ترد عليه ولا تحظره، وتكتفي بتركه لضميره حين يرى عجزه عن استفزازك وإخراجك عن طورك، وهذه دربة لا تتم تلقائياً، بل تحتاج إلى قوة معنوية على ضبط النفس، وهي تربية ذاتية أتاحها لنا «تويتر» بأن نعرف أن الحكمة ليست مقولات تحفظ وتدخر لنصح الآخرين وقت الأزمات، ولكنها صيغ سلوكية لنا بذواتنا، وهي تمرين اجتماعي لن تصل إليه إلا بعد أن تغلط مرة ومرة ثم تتعلم أخيراً، أن لديك سلاحاً معنوياً لا يجعلك تغلط بحق غيرك، ولا يجبرك على التعالي، ولا يضطرك لحجب المسيء، ولكنك تتأدب بتسعة أعشار حسن الخلق، وسترى أن التغافل هو الأعشار كلها في «تويتر»، وهذه معجزة «تويتر» في التربية الذاتية حين يكون التواصل درساً في العلاقات والتهذيب.