حين تُغني الفنانة اللبنانية النخبوية هبة القواس. تصبح كل أبجديات الأرض قاصرة عاجزة عن ترجمة ذاك الإحساس الهائل الذي ينساب منها ويطفو في المحيط. فهي التي استجابت «لما يطلبه الجمهور»، من دون أن تتنازل عن عرش الأصالة.

• كيف تصفين المشهد الطبيعي الجميل الذي يطل عليه منزلك الجبلي كلوحة نادرة؟
هذا المكان هو الذي أهرب إليه. قمت بهندسة تفاصيله كي يشبهني من داخل البيت، من قلب الدار، إلى التراس حيث الوادي المطل وكل المحيط. لا يمكنني أن أسكن في مكان يطل على باطون وحجارة ويابسة، لهذا اخترت أن أحيا هنا.

• في أماكن كهذه، كيف تحيين الفنانة التي في داخلك؟
قصدت منذ أسابيع منطقة في بطن الأرض في جافا في إندونيسيا، ودخلت في مغارة زحفاً على بطني، وبلغت مكاناً يُعدّ روحانياً للبوذيين والهندوس، ويقصده كثيرون من كل أقطاب الأرض، ويضم مكاناً يُعتبر مصدر إلهام للفنانين. ويقال إن المياه في جوف الأرض مقدسة. شربت منها، على الرغم من أني أخاف كثيراً من الجراثيم والتلوث، ومكثت وقتاً في المكان، فولدت لي في تلك اللحظات مقطوعة موسيقية. وهناك شيء محير في علاقتي مع الطبيعة، فأنا أحب أن أغني للسمك معتمدة تقنية الغناء لهم وفمي مقفل، وفي كل مرة أفعل هذا تحوم حولي الأسماك بشكل هائل، وحين أتوقف عن الغناء تبتعد.

«راس السنة»
• شيء ما تغيّر في أسلوبك الغنائي منذ أن غنيتي «راس السنة»؟
ربما تغيرت ووصلت إلى مكان في داخلي فيه سلام وطمأنينة وراحة نفسية أكثر من قبل. ربما. فأنا أدّيت أعمالاً سيمفونية ضخمة وغنيت على أهم المسارح في العالم، وقدمت أنماطاً مختلفة وبلغت مواقع متقدمة، ولم تعد هناك أي مشكلة أمامي لأطرح أعمالاً تبدو في الظاهر أخف، لكنها في الباطن أصعب. هي أعمال يشعر بقربها المستمع، لكنها تتضمن مساحات صوتية واسعة، وتضم أنماطاً موسيقية وإيقاعية متنوعة. وأغنية «راس السنة» هي جسر عبور إلى المستمع العربي، قادرة على أن تصل بسرعة إليه. وهي من كلمات سهام الشعشاع، وتمس القلب وتحكي عن حالات كثيرة يمر بها «رأس السنة» وهي وحيدة في حالة انتظار.

أغنية جديدة
• تتكلمين عن هذا التغيير بسعادة؟
صحيح، وكما أنا سعيدة بأغنية «راس السنة»، هناك أغنية جديدة أعمل عليها باللهجة المصرية، من كلمات مدحت العدل، تحكي عن حال الإنسان في عصرنا الحالي. أين وصل؟ بماذا يشعر؟ لماذا يركض؟ هل يعيش أحاسيسه وعواطفه في زحمة الحياة؟ هي أغنية من واقع الحياة العربية والمصرية، وكلام مدحت مُمتع فهو صانع الدراما المصرية. كتب كلمات الأغنية ويكتب «سكريبت» فيلم الأغنية المصوّر.

• وهل سنراك في «الكليب» بلباس فرعوني؟
لا. سأكون أقرب إلى الناس، وسيتم إطلاق الأغنية بعد عيد الفطر، وعنوانها «ونجري» أي نركض.

أول مطربة
• كنت أول مطربة «أوبرا» تغنّي في الرياض. حدّثينا عن تَوْق الجمهور السعودي إلى الغناء عموماً، والغناء الأصيل بالتحديد؟
المستمع السعودي ذواق، وهذا ما أدهشني أثناء تقديم أول حفلة «أوبرا» مع «أوركسترا» في الرياض؛ فالجمهور هناك كان أجمل ما رأيت. وإصغاءه «بياخد العقل»، وهو توّاق إلى هذه الأنماط الموسيقية، في السعودية، انفتاح ثقافي مؤثر، وكلنا يعلم ما لتأثير هذا الانفتاح من دولة بحجم السعودية جغرافياً وبتاريخها. وانفتاحها يذكرني بدولة الإمارات، التي أحييت في عاصمتها أبوظبي، في تسعينات القرن الماضي أول حفلة عربية. بداية الانفتاح كانت من هناك، ومن أبوظبي انطلق الوعي الثقافي وبات الاقتصاد متمثلاً في الفكر والإنسان.