في الـ26 من مارس، اختتمت الدورة الخامسة من «مهرجان أفلام السعودية» بالدمام، وهو المهرجان السينمائي السعودي الوحيد ذو الأهمية، قبل أن تعلن بعده بيوم وزارة الثقافة عن «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في خطوة كبيرة تجاوزت حتى طموحات السينمائي السعودي، خاصة إذا ما عرفنا أن هذه الخطوة ضمن إجراءات عدة أخرى للسينما وصناع الأفلام في السعودية، تجعل الكرة في مرماهم تماماً. وقبل أن ننجرف للسؤال حول المقدرة الحقيقية للسينمائيين السعوديين، في مواكبة هذه القرارات الجديدة علينا أن نعاود السؤال القديم المتجدد بعد كل دورة من دورات مهرجان أفلام السعودية السنوية وهو: ما الذي تغير في صناعة الأفلام السعودية؟

ربما لم يتغير الكثير، كما لم تتغير الإجابة عما كانت عليه في الدورة الرابعة عام 2017، فالميزة الجيدة ما زالت مستمرة وهي ما يتعلق بالشكل الظاهري للفيلم على مستوى التصوير والإضاءة والمونتاج إجمالاً، والذي يعكس متوسط كلفة الفيلم السعودي القصير التي وصلت إلى 14 ألف دولار، كما لم تتغير السمة السلبية التي يمكن انتقادها وهي ما يتعلق بالنص والمعالجة ورؤية المخرجين، ومدى تعاملهم مع توظيف عوامل الفيلم بالشكل المناسب، فضلاً عن الموضوعات التقليدية المطروحة، فالأفلام لم تحقق أي تقدم يذكر على هذا المستوى منذ سنوات. لكن من جهة أخرى أصبح لدينا أفلام طويلة هذه المرة، إذ شارك في هذه الدورة فيلمان طويلان أحدهما «المسافة صفر» للمخرج عبد العزيز الشلاحي، وهو الفيلم الفائز بالنخلة الذهبية في الدورة، والفيلم الآخر «نجد» للمخرج سمير عارف.

تجارب
بالإجمال جاءت الجوائز منصفة ومتوقعة نوعاً ما، لكني هنا سأتحدث عن أهم الأفلام التي تلفت النظر وتستحق الإشادة بعيداً عن الأفلام الفائزة مثل «المسافة صفر» كأفضل فيلم، و«صلة» لحسام الحلوة كأفضل إخراج، و«ولد سدرة» لضياء يوسف كأفضل فيلم عند لجنة التحكيم، و«حرق» لعلي حسين كأفضل فيلم طلبة، و«الكهف» لعبد الرحمن صندقجي كأفضل فيلم وثائقي. ولفتت نظري مجموعة من التجارب المميزة في المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة، مثل فيلم «أغنية البجعة» لهناء العمير، والذي صورته بلقطة واحدة ذات عناية جيدة في الصورة والتكوين وأداء رائع للغاية لأسامة القس، والذي حصل أيضاً على جائزة أفضل ممثل في المهرجان، وهو يؤدي وحده طيلة الفيلم شخصية الممثل المسرحي المغترب تحت شعور الإهمال والإقصاء، حينما يتنقل برشاقة بين شخصيات عدة متخيلاً جمهوراً عريضاً أمامه، في إسقاط ذكي لمحاكمة المجتمع، كما هو النص الأصلي لتشيخوف والذي اعتمدته المخرجة هناء ببراعة وتحويل متقن.

كوميديا
ثم هناك الفيلم التجريبي نوعاً ما، والعبثي الساخر بمسحته الكوميدية اللطيفة، للمخرجة مها الساعاتي «شعر: قصة عشب»، والذي يعبر عن إسقاطات رمزية ذكية، حول فتاة تعيش حياتها كخادمة منزل، في الوقت الذي يبدو فيها شعرها المتجعد مسألة كبيرة في حياتها. لم يكن من السهل استيعاب الفيلم بكل مضامينه، والتماهي مع إسقاطاته كما أرادات المخرجة. لكن الشعور بوحدة الموضوع، وإتقان الشكل التعبيري الطريف عنه، كان كافياً لاعتبار الفيلم مميزاً في هذه الدورة
وفي تجربة أولى لكاتب ومؤلف المسلسل الشهير «مسامير» فيصل العامر، مؤلفاً ومخرجاً في فيلمه «الجرذي» تنبأ عن شخص متحكم بأدواته ورؤيته تجاه الفكرة المضمنة، والتي تأتي في إطار الكوميديا السوداء، على الرغم من إيغاله الشديد في الترميز والإسقاط حول شاب موظف يتملكه الخوف الدائم من مختلف السلطات الاجتماعية حوله، ما بين مديره في العمل وسلطة التقاليد الاجتماعية، التي لا يملك الانفكاك منها وحتى سلطة الإله التي تجعل الخوف محوراً للعلاقة بشكل ساذج. بدا الفيلم أيضاً غامضاً للكثير من المشاهدين لكن الشيء الذي لا يمكن تجاوزه هو الطريقة الإخراجية التي صنعها العامر في تكوينات المشاهد عبر حركة الكاميرا وزوايا التصوير وكوادر المشهد وتحريك الممثلين وهو في رأيي ما يجعل من الفيلم شيئاً مثيراً ولافتاً.

دراما نفسية
في تجربة جديدة لمخرج تميز كثيراً في الدورة الرابعة، وهو محمد السلمان، الذي قدم أحد أفضل أفلام تلك الدورة «لسان»، يقدم هنا فيلماً جديداً بعنوان «ستارة»، لا يتجاوز فيه تجربته السابقة حتى على مستوى الموضوع، الذي بدا تقليدياً في إطار القضايا الجدلية عادة، لكنه أجاد في تشكيله بقيادة جميلة من الممثلة زارا البلوشي، والتي حصلت أيضاً على جائزة أفضل ممثلة، وهي تؤدي دور فتاة تعمل ممرضة في أحد المستشفيات، وتواجه عدداً من المضايقات، وسط حرصها على ألا ينكشف سرها الذي يدعوها لإخفاء وجهها!
وعلى ذكر الفائزين في الدورة الماضية، يمكننا الإشادة أيضاً بالتجربة الجديدة للمخرج محمد الهليل الفائز في الدورة الرابعة في أفلام الطلبة، عبر فيلم «300 كم»، إذ يقدم هذه المرة، وفي قسم أفلام الطلبة أيضاً، تجربة مختلفة ذات دراما نفسية، لم يكن الوقت كافياً معه للتعمق في شخصية البطل الذي يعمل ممثلاً يتعرض ابنه للتحرش من حارس المدرسة، فيصبح الأمر هاجساً لديه في ملاحقة هذا الحارس طيلة يوم مثقل بالغبار، في حركة ذكية من المخرج لتوقيت تصوير الفيلم، والذي سماه (غبار) كإسقاط بارع وذكي حول الغبار الذي يطمر نفس هذا الأب، ولم تستطع السنوات مسحه، مما جعل بحثه عن هذا المتحرش أقرب لعملية تطهير ذاتية، والتخلص من عبء هذه الغبار.