اهتم عضو المجلس الوطني الاتحادي بالإمارات، ورئيس «المجلس العالمي للتسامح والسلام»، الدكتور أحمد بن محمد الجروان لعدة سنوات بجوهر التعايش الإنساني، والتواصل الحضاري، وحصل على جائزة ألبرت نيلسون تكريماً لإنجازاته في هذا الإطار.

*كيف كان تأصيلكم لمفهوم التسامح تراثياً؟
الالتزام بقيم التسامح يمثل التزاماً دولياً تعهدت به الدول منذ قيام الأمم المتحدة». ومفهوم التسامح الذي اكتسبناه من تراثنا الإنساني إجمالاً، يعني الغفران والصفح عما كان في الماضي، وقبول الآخر من دون التركيز على نقاط الاختلاف معه في الحاضر، بل النظر إلى ما يمكن أن يمثل نقاط اتفاق لبناء مستقبل السلام في المجتمعات.

«برلمان التسامح»

* ما الطرق التي اتّبعتموها في «المجلس العالمي للتسامح والسلام» لترسيخ مبادئ التسامح؟
أسسنا برلماناً دولياً معنياً بمعالجة قضايا التسامح والسلام، يضم برلمانيين ممثلين لمختلف البرلمانات الوطنية، ويمثل جسراً للتواصل البرلماني الدولي المتخصص في موضوعات التسامح، وعلاقتها بالسلام الوطني والعالمي. ولتفهمنا بأن قضايا التسامح ترتبط بالكثير من المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للشعوب، فإننا نقتنع بأن البرلمانيين أقدر من يناقش قضايا التسامح؛ لذلك أنشأ «المجلس» بين أجهزته الرئيسية «البرلمان الدولي للتسامح والسلام». وأعتقد أن مناقشة قضايا التسامح في هذا البرلمان والتوصل إلى مقترحات حلّها وإرسالها إلى البرلمانات الوطنية لإعادة مناقشتها وتبادل الآراء بشأنها، سوف يُحدث حراكاً قانونياً مهماً للغاية في مجال معالجة هذه القضايا.

* ما وسائل إبعاد التطرف عن المكون الاجتماعي للشعوب؟
أعتقد أن إبعاد التطرف عن المكون الاجتماعي للشعوب لن يتحقق من دون تكامل الوسائل القانونية والسياسية والتربوية مع بعضها بعضاً. والوسيلة القانونية هي أهم هذه الوسائل وأولها، فكيف يمكن إبعاد التطرف عن المكون الاجتماعي للشعوب من دون وجود القوانين التي تُجرّم العنف والتشدد والتعصب، وما يتمخض عنها من سلوكيات؟ لذا، فعلى الدول أن تطور دوماً من هذه القوانين وتُحدِّثَها، وسوف يتناول «البرلمان الدولي للتسامح والسلام» هذا الموضوع قريباً لتبادل الخبرات البرلمانية في هذا المجال من القوانين.

*حدثنا عن التجربة الإماراتية بهذا الخصوص؟
 أعتقد أن التجربة الإماراتية ثرية وأكثر حداثة في هذا المجال. فنحن نؤمن بأن التسامح ثقافة تعكس حضارة المجتمعات، كما تعكس مستوى تعلمها ورقيها وتقدمها، ولا شك في أن المجتمع الأكثر تسامحاً هو المجتمع الأكثر رقياً وتقدماً، وهي فكرة مبعثها إيماننا الشديد بأن العالم أصبح قرية صغيرة، ويجب أن نبحث عن قواسمنا المشتركة ونعلمها لأبنائنا في كل مكان، لنضمن لهم مستقبلاً ينعمون فيه بالأمن والسلام؛ لذلك اعتمد المجلس منذ بداية نشأته برنامج «زرع السلام»، بهدف وضع مناهج دراسية بمختلف لغات العالم عن التسامح، يتم تدريسها في المدارس والجامعات حول العالم، لتربية أجيال المستقبل على قيم التسامح وثقافته.

«الأخوة الإنسانية»

* لماذا جاء الاهتمام بالتسامح عملياً ونظرياً؟
على المستوى العملي، أعتقد أن الاهتمام بالتسامح، خلال الفترة الأخيرة، نشأ جراء ما شهده العالم في السنوات الماضية من تصاعد لوتيرة العنف، وانتشار الحروب، التي نشبت لأسباب مذهبية وطائفية، وقد تزايدت هذه الحروب تحديداً في المنطقة العربية، وأدّت إلى تدمير الكثير من الدول. وعلى المستوى النظري، أعتقد أن الاهتمام بالتسامح خلال الفترة الأخيرة تزايد، لأن مفهوم التسامح بطبيعته مفهوم مرن يمكن تطويعه لمعالجة القضايا التي تواجهنا أياً كانت مسبباتها.

* تلعب الإمارات دوراً كبيراً في نشر قيم التسامح محلياً وإقليمياً وعالمياً، حدثنا عن هذا الأمر؟
في مجال مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف والعنصرية والطائفية، يُمكننا الاستشهاد بالدور البطولي الذي تلعبه الإمارات في دعم قوات التحالف في اليمن، وهو دور مبعثه إدراك واع، لأنك لن تستطيع أن تنشر قيم التسامح وهناك من يبذل كل جهده لنشر أفكار العنصرية والطائفية، لذلك واجبك الأول هو أن تجابه من ينشر هذا الفكر المتطرف بكل قوة. أما دور الإمارات في نشر ثقافة التسامح، فتجسده مبادرة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة (حفظه الله)، تلك المبادرة التي جعلت مصطلح التسامح الأهم والأشهر على مستوى الدولة والمنطقة والعالم أيضاً. والشاهد على ذلك لقاء الأخوة الإنسانية الذي جمع البابا فرانسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، والدكتور أحمد الطيّب، شيخ الأزهر الشريف، وإقامة القدّاس في أبوظبي، وتوقيع (وثيقة الأخوة الإنسانية)، التي تعكس أرقى معاني التسامح، ولا مبالغة في أن هذا اللقاء يمثل الحدث الأهم عالمياً خلال هذه الفترة، من هنا يمكنني القول إن الإمارات استطاعت بقوّتها الناعمة تغيير عناوين الصحف ووكالات الأنباء العالمية، التي طالما بثت أخباراً عن العنف أو التطرف أو العنصرية، وجعلت الخبر الأهم والأشهر عالمياً هو «التسامح»، وهو ما يجب أن يقرأه ويسمعه ويتعلمه أبناؤنا وشبابنا في كل مكان في العالم، مهما اختلفت دياناتهم أو ألوانهم أو أجناسهم أو ثقافاتهم.