معظم الناس في سالف العصر والزمان لم يكونوا قادرين على القراءة، كذلك كان من الصعب الحصول على الكلمة المكتوبة، لذا فإن اكتشاف «مكتبة آشوربانيبال» في العصر الحديث، كأقدم مكتبة في العالم ناجية من عوامل الفناء، يعد كنزاً معرفياً لا مثيل له ومعراجاً على مراقي الدهشة.

لم يكن من المتوقع أن يحل آشوربانيبال، آخر ملك من الإمبراطورية الآشورية في العراق وأشهرهم، ملكاً محل والده آسارهادون؛ لأنه كان لديه أخ أكبر لكنه توفي، فأصبح هو وريث والده. ولأنه لم يكن مهيأ في الأصل لأن يرث الملكية، إذ تفرغ للتبحر في العلم والبحث. وأصبح قادراً على القراءة والكتابة،
كان آشوربانيبال شغوفاً بالكلمة المكتوبة والمنحوتة، كما أنه أتقن مجالات المعرفة المختلفة، بما في ذلك الرياضيات والتنجيم.

قصة المكتبة
تمثلت أعظم إنجازات آشوربانيبال، الذي بلغت فترة حكمه 40 عاماً خلال القرن السابع قبل الميلاد، في إنشاء مكتبته الملكية (640 - 669) التي بناها بعد أن استقرت إمبراطوريته، وجمع في هذه المكتبة كل ما وجده في القصور الملكية لأجداده من الملوك السابقين، وأضاف إليها كل ما استطاع جمعه في عصره. واحتفظ بالألواح المسمارية التي جمعها في غرف خاصة في الطابق الثاني من بنايتين مختلفتين في نينوى، هما: القصر الشمالي والقصر الجنوبي الغربي. كما تم العثور على ألواح أخرى محفوظة في معبدي الآلهة عشتار، آلهة الحرب، والإله نابو، إله الحكمة.

اكتشاف
تعد «آشوربينبال» اليوم أقدم مكتبة ملكية على قيد الحياة في العالم، وقد زال الكثير منها بسبب عوامل الزمن، لكن بعض آثارها لا تزال قائمة، وقد أعيد اكتشافها خلال خمسينات القرن التاسع عشر، بواسطة المتحف البريطاني الذي  كان مسؤولاً عن الحفريات في مدينة نينوى والتي تقع في العراق حالياً. يرجع الفضل في اكتشافها إلى عالم الآثار البريطاني السير أوستن هنري لايارد، واستمرت الحفريات حتى عام 1930، أما أغلب محتويات المكتبة فيُحتفظ بها حالياً في المتحف البريطاني في لندن.

عصرية
تعد هذه المكتبة الأقرب إلى مكتبات العصر الحديث، من مثيلاتها القديمة فيما يتعلق بشروط التنظيم، وتصنيف الموضوعات والفهرسة وتحتوي على (30 ألف لوح طيني) مكتوبة باللغة المسمارية مثّلت تراث حضارات ما بين النهرين، في جميع فروع المعرفة وكانت المكتبة مفهرسة ومنظمة بصورة جيدة.

محتويات
احتوت مكتبة الملك الشخصية على نصوص في مجالات المعرفة المتنوعة، مثل الطب والأساطير والسحر والعلوم والشعر والجغرافيا والرياضيات والموسيقى. كما ضمت واحدة من أفضل الوثائق المعروفة في هذه المكتبة، وهي نسخة من ملحمة جلجامش، والتي غالباً ما تُعتبر أقدم الأعمال الأدبية الباقية على قيد الحياة. وتنوعت بين ألواح مسمارية طينية، وكتابات على أحجار رباعية وسداسية الأوجه والكثير من الأختام الأسطوانية وكتابات على الخشب المطلي بالشمع، وكذلك كتابات على ورق البردي وجلود الحيوانات.

أهمية
بالنظر إلى مجموعة الموضوعات التي تغطيها محتويات «مكتبة آشوربانيبال»، فإن لها أهمية كبيرة في الدراسة الحديثة للشرق الأدنى القديم. ما يجعلها واحدة من أكبر المراجع خلال يومها. وصفها آشور حينها بكلماته: «أنا آشوربانيبال، ملك الآشوريين، ملك العالم، الذي يؤمن بآشور وإنليل، والذي أعطاه نابوتاشيمتو آذانا صاغية، والذي وُهب نفاذ البصيرة، وحكمة نابو، وإشارات الكتابة، وقد كتبتها على الألواح، ورَتبتُ الألواح في سلاسل، وجمعتها، لأجل تأملاتي وتلاواتي الملكية، ووضعتها في قصري».