طرح تي. إس. إليوت تصوراً عن مفهوم الكلاسيكية يختلف عن التصورات المصطلحية الشائعة والمعتمدة مدرسياً، وركز على معنى (النضج)، ولن تتحقق صفة الكلاسيكية إلا حينما تبلغ الثقافة والحضارة درجات عليا من النضج، ويتجلى ذلك في لغة الإبداع، وكم لامست اللغة مستويات عليا من النضج، فهي قد اتسمت بمعنى الكلاسيكية، ولكن النضج ليس مرحلة زمنية حدثت في الماضي وظلت في الماضي، وإنما هي حالة تحضر وتغيب حسب حال كل أمة مع ثقافتها، وقد تبلغ قممها في زمن ما ثم تتراخى، ليس بمعنى أنها أنهت مهمتها التاريخية، وصارت تنظر إلى الوراء، ولكن بمعنى أن القمة تظل تتحرك إلى الأمام، ولا تقف عند منعطف مصمت، وكل مبدع يصل إلى تلك القمة فإن هذه القمة ستتحرك من بعده لتخطو إلى الأمام منتظرة مبدعاً آخر يأتي ويقترب من القمة بغير ما اقترب منها سالفه، وهنا يحضر التمييز بين التقليد والإبداع، وكل إبداع اليوم يشبه إبداعاً سابقاً، فهو في حقيقته تقليد، لأنه يقف على قمة قد سبق اكتشافها، وليست اختلافاً متجاوزاً، ومن هنا فهي قمة السابقين وليست قمة للحالي، ولكي يبلغ الحالي فلا بد أن يصل إلى مرحلة من النضج تنتسب لزمانه ثقافياً وحضارياً، وكلما هبطت حالة النضج هبط معها مفهوم الكلاسيكية ـ كما يتصورها إليوت.
هذه فكرة إبداعية بذاتها تجعل المفاهيم حيوية ومتحركة وغير نهائية، وتزداد حيوية مع تقدم الثقافة ونضج المستوى الحضاري (انظر On Poetry Andpoets Poets).