في صبيحة احتفالية العالم بيوم الشعر (الخميس21 مارس)، صدمنا بفاجعة رحيل الشاعرة السعودية لينا العجاجي، الشهيرة بهتان، وهي التي قد توارت عن الساحة بشكل تام في السنوات القليلة الماضية.
ومن مفارقات الأمور أن منظمي فعاليات الشعر بالأحساء قد أبدوا رغبتهم في مشاركتها بأمسية ضمن كوكبة من الشعراء، الذين جرى الاتفاق معهم لإحياء الفعالية، إلا أنهم كانوا مترددين قليلاً نظراً إلى احتجابها الملحوظ عن الظهور اللافت للنظر، فأبلغتهم أني على استعداد للإسهام في عرض الأمر عليها، وقد قمت بالاتصال بها، وبعد الاطمئنان على الأحوال والصحة والأسرة، عرضت عليها المشاركة في فعاليات الشعر في الأحساء، وهي أحسائية المولد والنشأة، فقالت: «أنت مسكتني من اليد اللي بتوجعني يا يحيى.. موافقة بس مو بهذي النسخة بل في النسخة المقبلة». قلت موافق، ولكن نرغب في تشريفك لنا بالحضور في انطلاق فعاليات دورة الشعر الأولى من فضلك، فرحبت شريطة أن يكون الحضور منفصلاً لظروفها الصحية.
تعشقت هتان الأدب والفن منذ طفولتها، فهي من أسرة اعتنت بالمعرفة كثيراً، وهو الأمر الذي خولها الإطلاع على تجارب الآخرين ممن سبقوها، بل ومجالستهم للبحث أكثر في تفاصيل النص الشعري لسعة مداركها الذهنية، فقد نجحت في رسم مفردتها الشعرية الخاصة بها بالمحتوى الذي يمثلها، وصممت صورتها الفنية لموضوعات نصوصها بالتكنيك نفسه، وهو ما خلق لها شخصية ناجحة تربعت بارتياح في الذاكرة والوجدان، قدمت نفسها في البداية بصوت الفنان رابح صقر منذ منتصف الثمانينات الميلادية، وبرزا معاً، في تقديم نتاجات مبهجة نالوا على أثرها التشجيع والقبول. وتعتبر هذه الأعمال سبب معرفتها بالوسط الفني السعودي والخليجي، واتسعت دائرة العطاء والنجاح للشاعرة هتان عندما تمثل صيد ثمين للصحف والمجلات آنذاك، فاستقطبوها إما كعنصر جذب وتسويق عبر نشر نصوصها أو كاتبة مقال وفق الأعراف المهنية المعمول بها في هذا الاختصاص، وتنامى دورها وتأثيرها في المشهد الفني والاجتماعي. وأستطيع القول إنها قد تجاوزت الصفوف حتى بلغت المراتب المتقدمة وتركت بصمتها كمؤلفة أغنية ذات مستوى بارع، سعودياً وخليجياً، ولعل أغنية «زمان وطاف» لرابح صقر علقت الجرس مبكراً نحو قدومها بقوة لدائرة النجومية.
في التسعينات الميلادية، تعاونت مع الفنان طلال مداح في أغنية «ألف شكراً» وعبرت عن سعادتها ورضاها وفرحها الكبير لقيام فنان بحجم طلال مداح بالغناء لها، ومن فرط سعادتها، أذكر أنها صرحت بأنه (لو ما كفاني سوى أن غنى لي طلال مداح، فهذا هو الإنجاز المنتظر قد تم)، وعندما سُئلت عن المبررات قالت: (إن الفن في وطني هو طلال مداح). وقدمت هتان من أشعارها للمطرب عبد الله الرويشد «لون ذي الليلة رمادي» ولمعت بقوة، ومع عبد المجيد عبد الله «يا سيدهم وينك» و«اصحى تزعل» والأخيرة شهدت ولادتها قبل أن تصل لعبد المجيد.
يسجل لهتان عنايتها بأفكار نصوصها، وحرصها على تميزها بطرق مواضيع تلامس اهتمامات الآخرين بشغف، وهو ما جعلها ناشطة فنياً واجتماعياً، كما كانت هتان تدافع عن توجهاتها بشكل حميمي وآسر للغاية، عندما بدأت مشروعاً جديداً مع الملحن البحريني خالد الشيخ لسبر أغوار الأغنية، وضخ مسارات جديدة عبر الزج بأصوات جديدة أيضاً كان بهدف بقاء الحيوية في الأغنية متوهجة، جراء وجود شخصيات مؤثرة في الحياة، تستطيع بلمسات ضوئية روحية أن تحدث الفارق في أي مكان وبالمستوى المذهل، هؤلاء هم المميزون، وهذه معادلة إلهية. ألف شكر يا هتان على أجمل رحلة وجود عشناها معك، وداعاً.