هناك من يشعر بأنه في حاجة إلى شيء ما، ينقصه على الصعيد المادي أو المعنوي، وهناك من يشعر بأنه لا ينقصه شيء، وهو إما أن يكون وهماً بأنه ليس لديه نقص لشيء ما، أو أنه يشعر بالقناعة بما لديه فيشعر بالاكتفاء.
وما إن يحصل من يحتاج لشيء هدية تسد النقص عنده، يشعر بالرضا التام، ولكن لو قدر أن أخذ المهدي ما أهداه، فإن النقص بعد الذي تعود على تمامه، يعود أكثر حاجة وإلحاحاً من ذي قبل.
ومثال ذلك، لو كان هناك من ليست لديه سيارة، وأعطاه جاره سيارته ليستخدمها لأشهر عدة، تصبح تلك الفترة السيارة من ممتلكات الرجل، وما إن يطلب الجار سيارته تصبح مأساة الرجل كبيرة، فلم يعد قادراً على التعود على المواصلات التي كان يستخدمها قبل السيارة الخاصة، وتصبح المعاناة أكبر من قبل.
وهناك من يشعر بالتمام فلا ينقصه شيء حسب اعتقاده، وهي فئة تشعر بالكمال المادي، أما الاحتياج المعنوي فليس هناك اكتفاء منه، فمن كان لديه صديق جيد لن يرفض صديقاً آخر جيداً.
فلو لم يكن المرء في حاجة إلى جاره، وقضى سنوات طويلة من دون الاحتكاك بجاره، فما يتعرف إلى الجار ويجد منه ما يسره ويأمنه، وبعد أن يتعود على جيرة جاره، يصبح هذا الجار مفردة مهمة في حياته، فما إن يغادر هذا الجار أو يحدث بينهم خلاف، تجده تعيساً وقد يكره السكن بسبب هذا الجار، علماً بأنه كان قبل ذلك يشعر بأنه بحالة كمال ولا ينقصه شيء.
فليس منا من لا يشعر بأنه بحاجة إلى شيء ما، حتى من يحب يشعر أحياناً بأنه يريد ممن يحب أن يكون على شاكلة أخرى، ومن الصديق على صورة أجمل ومن الجار ومن العابرين ومن القوانين، نعم حتى هناك من يريد من القوانين أن تكون على نمط يناسبه أكثر.
فحين نشعر بأنه لا ينقصنا شيء، يكون هناك شيء ما ينقصنا، فإذا ما تم فإن فقدانه لا يعيدنا لسيرتنا الأولى، ونعود كما كنا لا ينقصنا شيء، أو أننا نشعر بالرضا الذي كان.
هذه هي الحياة إذاً، الجميع في حاجة إلى الجميع، بدرجات متفاوتة، وهذا ما يميز البشر كمخلوقات متجانسة، تتعارف إلى بعضها، فتنتج العلاقات التجارية والاجتماعية والعاطفية بينهم، وذلك لا يقلل من أهمية القناعة والرضا التي يجب أن تكون عند الإنسان، وأن تكون مرحلة الوعي بما قسمه الله لنا على درجة من الأهمية، من دون أن نفرط في طموحنا الطبيعي بأن يكون لدينا ما نحب من الأصدقاء، وما نأمنه من الجار، وما يجمل حياتنا من الخير، فما لا ينقصنا هو ما ينقصنا.

 شـعر

ارسمي نهراً لكي أكتبَ مـاءْ

وارسمي قصـتنا مبـتورةً

وسحاباً جاءَ من غير شتاءْ

لا فراقٌ يعتريها أو لقــاءْ

وارسمي وجهاً طوى مأساته

وبهـا الأحـزانُ من غير انتـهاءْ

وبه بانَ الشحوبُ الكبرياءْ

وبها الأعصابُ من غيرِ ارتخاءْ

ثم قــولي مـا الذي ينقصه؟

وبهـا نبــدأ لمـا نـنتهـي

ما نسميه؟ - أسميه بكاءْ

ما نسميها؟ - أسميها غباءْ