«عندما رأسك في طريق.. واسمك في طريق آخر».
رواية لـ إسماعيل فهد إسماعيل، ممهورة بشعر قاسم حداد. وأن يلتقي الاثنان في عمل واحد، وإن بمساحة متفاوتة، لا بد أن يفضي الأمر إلى جديد، بالنسبة إلى الروائي والشاعر والقارئ.
على الرغم من أن معظم نصوص إسماعيل فهد إسماعيل تتميز بمغايرتها للسائد، فإن هذا العمل، على وجه الخصوص، مغاير لكل ما هو مغاير من أعمال الروائي نفسه. وإذا كان عنوان الرواية، المقتبس من قصيدة «ما لا يُسمى» للشاعر قاسم حداد، يتسم بالغموض فإن النص لا يقل غموضاً عن عنوانه.
الشخصية المحورية التي لا اسم لها في العمل هي أنت، بصفتك الإنسان، منذ بدء لحظتك الآنية، عودةً إلى أسلافك، وصولاً إليك في نهاية رحلتك الإنسانية. ولعل استخدام الراوي الضمير المخاطب يعزز هذه الفكرة، أن تخاطب ذاتك، أو أن تكون مُخاطَباً من كيانٍ أعلى. أن تكون أنت، وحدك، في مسرح الحدث، حين يبدأ السِّفر الأول من الرواية المقسمة إلى ستة أسفار، بمخاطبتك قارئاً/ بطلاً للرواية: «ذهنك - بلجوئه إلى المعرفة المختزنة - يبقى عاجزاً عن التوصل إلى تفسير منطقي إزاء ما يواجهك». وهنا تجد نفسك متورطاً بما أنت مقدم عليه. بصفتك شخصية العمل أنت لا تجد تفسيراً منطقياً لـ«جدار شاهق يسدّ الأفق» أمامك في مكان منعزل وزمن غير واضح المعالم: «الزمان يكاد بلا حساب، فتخاله حصيلة لأزمنة عدة، متداخلة بقدر ما هي متباعدة». وبصفتك القارئ لن تجد تفسيراً للنص الذي بين يديك ما لم تلجأ إلى خزين معرفتك وسيرتك الإنسانية الممتدة عبر تاريخ الكتب المقدسة.
بداية الرواية حيث نهايتها، في آخر الزمان ونهايات العمر، أنت وحدك في الغمر، تغيرات كونية غير مألوفة. تقف مواجهاً أطلال صرح شيّدته في زمن بعيد. تستعين بذاكرتك السحيقة لرحلتك الإنسانية الطويلة. تتعرف إلى المكان عبر ذاكرة متوارثة. وحدتك لا تدوم، كما في بداية خلقك. خلف الصرح أمامك خيال نصفك الآخر. تتعرف إليه. الجدار يحول بينكما كما حالت المسافات في السنوات الغابرة، اختراق الجدار ضرورة إتمام رحلة لن تتم من دون نصفك. كما هبطتما معاً.. تغادرانها.
أنت تكابد في اختراق جدار الصرح، مستذكراً رحلتكما الطويلة منذ كنتما واحداً، انشطر ليصبح أنت وهي، ولتبدأ رحلة تيهكما، على امتداد الزمن يبحث كلاكما عن الآخر.
في بداية قراءتك للرواية، أنت في نهاية وجودك على الأرض، تقبل على ما هو مجهول. بالنظر أمامك، إلى مستقبلك الآتي، أنت مقبل على رحلة ميتافيزيقية، وبالالتفات إلى الوراء، حيث سيرتك التي تضمنتها الكتب السماوية أنت تستند إلى تاريخ أسلافك كما صورته الأديان.
هل ستتمكن من اختراق جدار الصرح ولقاء نصفك الآخر من جديد، تلتحمان كما في السيرة الأولى، تعود إلى حيث أتيت أو.. إلى مكان غير معلوم؟
«عندما رأسك في طريق واسمك في طريق آخر» رواية مزعجة مستفزة، تتلبسك أو تتلبسها، تُناوش المقدَّس، وتُحيي مخزونك المعرفي، تدفعك إلى نهايتها التي هي نهايتك هُنا وبدايتك فيما هو مقبل، إن أنت توقفت في منتصفها أنت في التيه، وإن أدركت نهايتها؛ أنت في تيه آخر.
حرصَ إسماعيل فهد إسماعيل عند توقيعه إهداء الرواية أن يكتب: اغفِر لي نزوتي الروائية. وهي بحق واحدة من أعمق وأجمل نزوات إسماعيل.