رُلى برّاق شاعرة عراقية، من مواليد الموصل، حاصلة على ماجستير في الأدب العربي، وهي عضو اتحاد الأدباء والكتاب في العراق، بدأت الكتابة في المرحلة الجامعية في جامعة الموصل، وحصلت على جوائز عديدة في الشعر والقصة والمقالة في مسابقتها الإبداعية السنوية. صدرت لها مجموعة مشتركة بعنوان «زهر»، وصدرت لها مجموعة شعرية بعنوان «ما وصل منها».

تعرضت رُلى مؤخراً لتجربة قاسية، تحت سطوة الإرهاب الداعشي، لم تغادر بيتها بسببها لعامين ونصف.

• كيف تأتّى لشاعرة مثلك أن تحكم على نفسها بالسجن لعامين ونصف؟

كان القرار سريعاً وحاسماً، حين خرجنا من بيتنا فجراً في اتجاه مدينةٍ أخرى مع كل الفارين، ثم عدنا بعد 24 ساعة للبيت، عندها شعرت بحدس ما، أيقنت على أثره أنني لن أخرج بعد اليوم حتى يتغير الوضع، الأمر سبق حتى فرض الخِمار، الذي رفضت ارتداءه لفرضه دون اقتناع، فأنا لست ضده ولا معه، الأمر حرية شخصية، ومن هنا بدأت مأساة الانتهاكات الإنسانية لحرية نمط حياتك وملبسك وحركتك وطقوسك، معها أصررت على قراري بعدم الخروج من منزلي، إلى جانب أنني لم أستوعب فكرة أن أخرج إلى الشارع وأرى كل هؤلاء الغرباء يلوثون مدينتي الجميلة.

المنظر يشعرني بالغثيان
• من نافذة منزلك كيف كان يبدو لك المشهد في الخارج؟
كنت أتجنب النظر إلى الخارج، لأن المنظر كان يشعرني بالغثيان، خاصة أن الدواعش أخذوا يتوغّلون في تفاصيل الحياة اليومية أكثر، وآخر شهور تجنبت النافذة، اخترتُ الانعزال والابتعاد التام عن أي شيء يقرِّبهم مني، فالفضاء خارج النافذة كان مظلماً، ومن نافذة روحي كنت أطل على عوالمي الشعرية.

• للشعراء طقوسهم في العزلة، ما الطقوس التي كانت تملأ وقتك؟
في الشهور الأولى لم تكن لي بوصلة في قضاء الوقت، كنت تائهة، محبطة، منطوية، أدمنت مواقع التواصل الاجتماعي والاستماع للأغاني والموسيقى، كرغبة في قتل الوقت والانتظار اللا مجدي، حتى مررت بتجربة إنسانية خاصة وصعبة، زادت وضعي النفسي سوءاً، كنت أمارس المشي في غرفة مربعة، قطعت فيها أميالاً من المشي، وكان الخيال وسيلتي لعبور الجدران والمسافات، كنت أتخيل أماكن أخرى أمشي فيها وأنا أسمع الموسيقى وفيروز، إلى جانب اهتمامي بالأعمال المنزلية اليومية، كان الهدف ألا يبقى وقت في اليوم أفكر فيه بوجود الظلام خارج جدران منزلي.

• كيف استسلمت لفكرة أن تبقي لعامين ونصف رهينة محبسك في المنزل؟
لدى الشاعر قدرة على التحليق مهما أحاطت به الجدران، فهو لا يحتاج جناحين ليطير عالياً، يكفي أن يفتح باباً من خياله الواسع، ليستطيع الوصول إلى حيث يريد، كان الخيال معادلاً لكل قيد رافق لزومي البيت، كنت أرى أنني أحرِّر الأشياء الجميلة معي من كل القبح الذي كان يحيط بنا، وكانت الكلمات عينيّ وقدميّ ويديّ وأذنيّ، التي اقتحمت بها وفيها كل دروب الحياة.

خمس مجاميع شعرية
• ثقافياً على مستوى القراءة، وكتابياً على مستوى النصوص، ما الذي تمخَّضت عنه هذه العزلة؟
كانت الكتابة سبيلي الوحيدة، لتفريغ كل طاقة الغضب والألم والمرارة، كنت أكتب بشكل محموم، حتى أنجزت خمس مجموعات شعرية، إلى جانب بعض الكتابات النقدية لآرائي الخاصة بالشعر والقصيدة، ظهر للنور منها مجموعتي الشعرية «ما وصل منها» الصادرة عن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق. وبقية المجموعات هي حالياً مخطوطات قيد التهيئة للنشر.

• بلا شك ثمة مواقف لافتة عشتِها في تلك الأيام العصيبة لم تنمحِ للآن من ذاكرتك، حدثينا عن واحد منها؟
أول الأشياء التي لا تنمحي، أنك تنتظر اللا شيء، أو الموت، أو مصيراً مأساوياً قد يصيبك أو يصيب من حولك، وما سيكون عليك فعله لحظتها، أن تتحول اللحظات إلى عبء كلما زادت، أن يتحول شعورك أنك حي إلى لعنة.