يقول الكاتب والروائي الفرنسي أندريه موروا، الذي اشتهر بكتابة عدد من سير الأدباء والفلاسفة: «أن نقول الحقيقة كلها ليس بالأمر الجيد».
هل هذا إذاً ما يدعونا إلى أن نتعامل مع السينما، حينما تتولى تقديم سير الشخصيات، تعاملاً مشوباً بالتساهل حتى وهي تبدو منحازة بعض الشيء أو انتقائية؟!

المهاتما غاندي
لننظر إلى أحد أشهر وأفضل أفلام السير الذاتية التي حققت نجاحاً كبيراً وعززت من مفهوم هذا النوع من الأفلام، وهو فيلم المخرج البريطاني الراحل ريتشارد أتينبرو عن الشخصية العظيمة والملهمة المهاتما غاندي عبر فيلم Gandhi عام 1982، والذي كان قد رشح حينها لـ11 جائزة أوسكار، فاز منها بثمانٍ، مثل: أفضل فيلم وإخراج وسيناريو أصلي وتصوير وممثل رئيسي للنجم بن كنجسلي بأدائه الرائع لشخصية غاندي. جاء الفيلم حينها عبر رحلة دراما ملحمية، تتبعت شخصية هذا الزعيم الروحي الشهير المهاتما غاندي، منذ كان طالباً في القانون في بريطانيا مروراً بعمله في جنوب أفريقيا حتى عودته للهند، ومقاومته السلمية اللاعنفية للجيش البريطاني، مروراً بالصراع السياسي بين زعماء الهند وباكستان إلى حين اغتياله بسبب تداعيات الصراع الديني.

موضوعية
ما يجدر ذكره هنا هو أن الفيلم فنياً لا يمكن الشك فيه، وهو يحتل مرتبة جيدة في قوائم أفضل الأفلام السينمائية، لكن على مستوى الموضوعية. فالفيلم تلقى الكثير من الانتقادات، باعتباره فيلماً احتفائياً تبجيلياً، يظهر أفضل ما تمثله صورة المهاتما غاندي دون ما هو موضع نقد واستياء في جوانب شخصيته، كما فعل الكاتب ريتشارد غرينر في مقاله «غاندي.. ما لا يعرفه أحد»، والعقيد جي بي سينغ في كتابه «غاندي وراء قناع الألوهية»، لكننا سنتفهم شيئاً من الأمر، حينما نعلم أنه قبل تصوير الفيلم كان المخرج ريتشارد أتينبرو قد عقد مؤتمراً صحافياً في دلهي، للإعلام الهندي، ليطمئن قلقهم حول كيفية تصوير غاندي، الذي هو بمثابة إله عند الكثيرين من الهنود، لدرجة أن إحدى الصحافيات قد اقترحت أن يظهر غاندي كضوء أبيض لامع يتحرك في الشاشة! ولذا لم يكن شيئاً غريباً أن يتطوع أكثر من 300 ألف هندي، من أجل تصوير مشهد جنازة المهاتما غاندي، ليصبح الرقم القياسي حالياً في عدد «الكومبارس» لمشهد واحد.

الشخصية ضمن سياق معين
من هنا يمكننا أن نرى السينما تجاه هذا الموضوع، لا تقدم نفسها كمصدر معرفي عن الشخصية، بقدر ما تريد أن توظف هذه الشخصية ضمن سياق معين. وحينما نستعرض العديد من أفلام السير الذاتية الشهيرة سنصل إلى مثل هذه النتيجة، وسنجد أن كل مخرج يعزز هذا الرأي بأنه ليس كتاباً علمياً ولا بحثاً أكاديمياً بقدر ما هو فنان يستلهم من حياة الشخصية أفضل ما يظنه ملهماً أو مثيراً، حدث هذا مع الكثير من أفضل أفلام هذا النوع مثل شخصية موزارت في فيلم ميلوش فورمان Amadeus عام 1984 وسكورسيزي مع جاك لاموتا في Raging Bull وسبيلبيرغ مع لينكولن وأوليفر ستون مع الإسكندر المقدوني، وجورج دبليو بوش وكنيدي وسدوربيرغ مع تشي جيفارا.

سير ذاتية
مؤخراً شاهدنا في السنوات الأخيرة العديد من أفلام السيرة الذاتية التي حققت نجاحات فنية وتجارية وسابقت في مضمار الأوسكار بأكثر من جائزة، مثل Vice عن نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، وBohemian Rhapsody عن مغني فرقة كوين فريدي ميركوري، وقبلها كان هناك Darkest Hour لجو رايت عن الرئيس البريطاني فترة الحرب العالمية الثانية، ونستون تشرشل وThe Theory of Everything لجيمس مارش عن العالم الفيزيائي الشهير ستيفن هاوكينق، وThe King’s Speech لتوم هوبر عن الملك جورج السادس ومشكلته في النطق، وThe Social Network لديفيد فينشر عن مؤسس «فيسبوك» مارك زكربيرغ، وThe Iron Lady عن رئيسة وزراء بريطانيا الشهيرة مارغريت تاتشر.

طابع سياسي
وبما أنه يغلب على هذه الأفلام الطابع السياسي، الذي هو امتداد لكون شخصية نابليون بونابرت، الشخصية الأكثر عرضاً في الأفلام عبر تاريخ السينما، عطفاً على كون الشخصية السياسية هي الميدان الأفضل، لتجاوز محورية الشخصية ذاتها نحو السياق العام اجتماعياً وسياسياً، والتعامل مع فيلم السيرة الذاتية كوثيقة تاريخية، لكننا بطبيعة الحال لن ننسى ما ذكره أندريه موروا من أن قول كل الحقيقة ليس شيئاً جيداً!