ما أكثر ما يحتاجه الإنسان في الحياة المعاصرة التي تزداد تعقيداً كل يوم؟ ستتنوع الإجابات بتنوع ظروف المجيب، فالبعض سيقول وفرة الدخل وآخر السعادة وثالث الأمان وغيرها الكثير من الأمور. ومن وحي إطلاق تحدّي البحث عن صنّاع الأمل في عامه الثالث استوقفتني عبارة (كل واحد منا فيه بذرة خير) في تغريدة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، خلال إعلانه بدء البحث عن صنّاع أمل جدد، ولذا قلت لنفسي ما نحتاجه اليوم، نحن وأسرنا وكل من نُحب، هو أن نروي بذرة الخير في دواخلنا وننعشها، لتُزهر ونعين من حولنا ليجدوا بذرة خير أنفسهم إن جفّت أرواحهم أو شغلتهم الحياة.
اعتدت أن أخصص إجازة نهاية الأسبوع لتكون المساحة الخاصة بي لي ولابنتي مريم، لنخرج ونتحدّث عن حياتنا وما حمله الأسبوع من أحداث، وفي كل مرة أجد في حديث مريم إشراقاً وشغفاً للحياة، وعندما أسترجع كثيراً من لحظات سعادتها، أجد أن لها علاقة بسرور أدخلته حولها للأصدقاء أو الزملاء في الجامعة وغيرهم، والميزة هي أن قيمة الطبيعة المادية لما تقدمه ليست هي الحكم، ولكن الأثر المعنوي للموقف، وهي خصلة غرسها فيّ والدي ونجحت بأن أعيشها وأنقلها لمريم.
أكاد أسمع بعضنا يسارع إلى القول: أنا هذه الأيام مشغول طوال الوقت وبالكاد أجد وقتاً لنفسي وعائلتي، فكيف تريدونني أن أنشغل بحياة الناس؟ سؤال قد يبدو في ظاهره منطقياً، ولكنّ القبول بما في السؤال والاستسلام له هو المشكلة التي تواجه كثيرين اليوم، لأننا نعتقد أن انشغالنا يعتبر عذراً لعدم ممارسة السعادة ونشر الخير وصناعة الأمل.
حياتنا تُشبه موقفاً صباحياً يتكرر كل يوم، وهو وقوفنا أمام المرآة لنتفقد إطلالاتنا، وما تُقدمه لنا المرآة هو انعكاس للصورة التي صممناها بأنفسنا من خلال اختيار ملابسنا وتوابعها، وبالتالي نحن مسؤولون عمّا نرى وما يبثه فينا من إحساس، وهو الأمر ذاته فيما نقدمه للمجتمع حولنا، فالطاقة التي نبثها حولنا، هي التي تحيط بنا وتعود لنا لاحقاً، لذا أؤمن بأن أفضل طريقة لبث الحيوية والإيجابية في أيامنا، هي بث الخير ولمس حياة الناس.
ولكن قد يتساءل البعض ما الذي يمكن فعله وسط جدول مزدحم؟ الإجابة بسيطة جداً، هي كل شيء، وهنا أصنّف كل شيء لثلاثة سلوكيات: الأوّل: الطريقة المعتادة بتقديم عون مادي، والثاني: تقديم الخير بأفعال بسيطة مثل الحديث الطيب والاستماع لمشكلة أحدهم، والثالث: تعزيز يومنا بالإيجابية بأبسط أشكالها مثل الابتسام والسلام وغيرهما.
بما أننا لا نزال في شهر القراءة الذي يحل في مارس من كلّ عام، أوحى لي ذلك بفكرة بسيطة، وهي أن ارتواء بذرة الخير داخل أحدنا ممكن عبر إهداء الإنسان كتاباً يحمل قيماً إيجابية ويمنحه مساحة راحة بين صفحاته، أو مشاركة خلاصة أو سطور من كتاب مع آخر، ومثل الثمار في هذا العالم الذي نعيش فيه لكل شجرة بذرة مختلفة، وتختلف بناءً عليها الثمار، فصناعة الأمل وبث الخير ممكنان بمجرّد أن نبدأ بفعل إيجابي يسعدنا ويسعد من حولنا. سأبدأ بقائمة من بذور الخير التي عندي، لأسقي كل واحدة منها، فهل ستعدون قوائمكم لتسوقوها بطرقكم؟