قبل 39 عاماً، نشرت مجلة «زهرة الخليج» في سنتها الأولى حواراً تحت عنوان «وحدها في أميركا» مع الطالبة الإماراتية نورة المدفع، التي كانت الفتاة الإماراتية الأولى حينها، التي تدرس في أميركا للحصول على رسالة الماجستير في تخصص تعليم الكبار، قبل أن تكون أول إماراتية تنال شهادة الدكتوراه من خارج الدولة.

على الرغم مما حققته الدكتورة نورة المدفع من إنجازات متلاحقة على امتداد سنوات طوال، إلا أن الحديث معها دائماً يبدأ بالبدايات، لتحيلنا لا شعورياً إلى المراحل الأولى، تفتح لنا نافذة على الماضي، هذا الذي يبدو قريباً عدداً وبعيداً جداً عندما نقارنه باليوم. فلا تجرد نورة المدفع حياتها الشخصية عن العلم الذي ترسخ في كل فقرات عمرها، لتبدو ذاكرتها كأرشيف كامل للنهضة التعليمية التي حصلت في الدولة، وبوجه الخصوص الشارقة التي ولدت وتعلمت فيها. وتقول: «أنتمي إلى عائلتين تكرسان العلم، فجدي من ناحية الأم كان مثقفاً ومطلعاً وهو علي بن عبيد بن عيسى النابودة، تاجر اللؤلؤ الذي تحول بيته إلى متحف وهو بيت النابودة، وعمي هو إبراهيم المدفع الذي كان يستقبل أهم الشعراء والمثقفين، وتحول مجلسه فيما بعد إلى أيقونة أثرية شاهدة على النهضة الثقافية في الشارقة».

المعلم الأول
تعود الدكتورة نورة بالزمن إلى ما قبل قيام الاتحاد، حينما تلقت تعليمها في «مدرسة فاطمة الزهراء» بالشارقة، وفق المنهاج التعليمي الكويتي الذي كان معتمداً في ذلك الوقت بالإمارة، لتعود بعد سنوات وتعمل مدرسة ثم مديرة في المدرسة التي تعلمت بها. ورغم حصولها على درجتي الماجستير والدكتوراه، وما مر بحياتها من أساتذة جامعيين وأكاديميين، إلا أنهم لم يتركوا أثراً بالقدر الذي أحدثته أمها في نشأتها العلمية، موضحة: «أمي هي المعلم الأول، رغم أنها لم تنهل من العلم حالها حال بنات جيلها في ذلك الوقت، أي فترة الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي، لقد تعلمت بمفردها كيف تكتب وتقرأ، وأذكر جيداً كيف كانت تقرأ الجرائد اليومية بمفردها، حتى إنها دخلت فيما بعد مدرسة تعليم الكبار لتطور من تعليمها، هي بالفعل تعد نموذجاً للمرأة المكافحة من أجل العلم».

غربة العلم
وعن سؤالها عن تلك الفتاة التي كانت وحيدة في غربتها بأميركا، تقول: «كنت وحيدة هناك، ولكن هذه الغربة هي التي جعلتني أبدو على ما أنا عليه اليوم، الغربة علمتني وكل مكان انتقلت إليه أضاف إليّ الكثير، أميركا لم تكن أول مكان أسافر إليه، لأنني حصلت على ليسانس الآداب من الكويت، ولكن مع هذا لا يمكن أن أقول إن الكويت قد جعلتني أواجه هذه الغربة التي تضع الإنسان وجهاً لوجه أمام صعوبات الحياة والمكافحة للحصول على أبسط الأشياء».
وتضيف: «في الكويت توافر لي ولبعثتي كل شيء تقريباً، فالمنحة كانت مجانية كما الكتب وتنظيم البرامج الدراسية والسكن المجهز بكل شيء، حتى إن لي منحة شهرية، وهذا المعروف لا يمكن نسيانه، أما في أميركا فكان عليّ أن اختار السكن والمواد وأواجه مشكلة اللغة والمواصلات». تتذكر الدكتورة نورة فترة انتقالها إلى أميركا، وتحديداً في جنوب كاليفورنيا لدراسة الماجستير في سنة 1977، أنها من أكثر المراحل التي صقلت شخصيتها، وكيف اختلف عليها الأمر كلياً من ناحية طرق التعليم، إذ استمرت في أميركا حوالي ست سنوات ونصف السنة، فبعد أن أتمت دراسة ماجستير تعليم الكبار، نالت شهادة الدكتوراه في «فلسفة التربية».

رحلة عملية
في الوقت الذي احتاجت فيه دولة الإمارات إلى كوادر تعليمية مؤهلة عند نشأتها، أثمرت عن تلك البعثات التعليمية التي أرسلتها الدولة إلى الخارج، في فورة الحركة التعليمية حينها. فعادت الدكتورة نورة المدفع بعد حصولها على الليسانس من الكويت لتعمل لمدة سنة معلمة في مدرسة فاطمة الزهراء، وسنة أخرى مديرة في مدرسة ميسلون في الشارقة، لتعود وتتدرب في مدرسة فاطمة الزهراء ثم تصبح مديرة المدرسة التي تعلمت فيها سابقاً. وبعد حصولها على درجة الدكتوراه وتحديداً في عام 1985، عينت الدكتورة نورة في مراكز الانتساب الموجودة بالشارقة، التابعة لجامعة الإمارات وقضت بها خمس سنوات لتعليم  الطلاب ومساعدتهم في الحصول على البكالوريوس، وتعديل شهاداتهم العلمية.

مشرفة أكاديمية
قضت الدكتورة نورة المدفع في مصر أيضاً حوالي 18 سنة من عمرها، من عام 1990 حتى 2008، حيث عملت مشرفة أكاديمية من جامعة الإمارات، وعن هذه التجربة تقول: «هي أكبر فترة قضيتها في السلك التعليمي بشكل متواصل، وأكبر فترة أكون فيها خارج الإمارات، ولكن لا يمكن أن أعتبرها غربة بالمعنى الكامل، فزوجي دكتور مصري ولي ابنة واحدة  منه هي عزة، خريجة الجامعة الأميركية، حيث درست هندسة العمارة والآن تكمل الماجستير في أميركا».