ولَجَ الكاتب الصحافي والشاعر الإماراتي، علي أبو الريش، عَتبات مجلة «زهرة الخليج» قبل نحو ثلاثة عقود، ليتسلم إدارة تحريرها «ببعض القلق، وشيء من الفضول، وكثير من التحدي». لم تكن هي بداية مشواره في عالم صاحبة الجلالة، فقد جاءها مُبدعاً ونجماً مُخضرماً في ضروب شتّى من الإعلام، ولكنه أقرّ بأن العمل في (صحافة المرأة) كان تحليقاً في فضاء روحي جديد يستحق «توجّس البدايات». وفي السطور التالية مزيد من ذكرياته حول هذه التجربة.

يتذكر الأستاذ علي أبو الريش تجربته في العمل بمجلة «زهرة الخليج»، في نهاية تسعينات القرن الماضي بكثير من الحنين والفخر قائلاً: «لم تكن تجربة عادية، فالتعامل مع المرأة وقضاياها عن قرب تجربة استثنائية. شخصياً، سعيد وفخور بارتباط هذه التجربة بسيرتي المهنية على الرغم من قصرها، فالرجل شريك ومُكمّل للرؤية العامة لصحافة المرأة وإضافة نوعية لها».
يضيف أبو الريش: «على الرغم من أنني لم أكن غريباً على (مؤسسة الاتحاد للصحافة والنشر) آنذاك، التي تصدر منها (زهرة الخليج)، إذ كانت تُعتبر الشقيقة لـ(جريدة الاتحاد) التي كنتُ أعمل فيها، لكنّي قبلت بتكليف إدارة المجلة وفي ذهني الكثير من الأسئلة والأفكار، والشعور بالتحدي وشيء من الفضول للتعرف إلى عالم (كوكب الزهرة)».

فكرة نمطية
ماذا تُريد حواء وكيف نخاطبها؟ كانت هذه أهم الهموم التي قابلت أبو الريش حينها: «أعترف بأنني دخلتُ المجلة في البدايات بذهنيّة ابن المجتمع الخليجي المحافظ، الذي يغلب عليه الطابع الذكوري، والفكرة التقليدية عن المجلات النسائية في أنها مجرد مطبوعات تُروّج لمستحضرات التجميل، آخر صيحات الموضة، الحقائب، جديد المطبخ وأساليب رعاية الأطفال، وكانت من ضمن خططي أن تخرج المجلة من هذا القميص». ويتابع: «كان همّي كيف أزيل النظرة النمطية للمرأة، وما السّبُل لتوعية الجنس اللطيف بحقوقهن، وصياغة وجهات نظرهن، وتلبية تطلعاتهن».
 
اكتشاف
لكن وجهة نظر أبو الريش تغيرت بشكل كبير، مؤكّداً بالقول: «بعد فترة وجيزة من مباشرة إدارتي للمجلة، أدركت جوانب أعمَق في رسالة الصحافة النسائية، واكتشفت كذلك أن ما تطرحه النساء من قضايا تبدو خاصة بهنّ وبسيطة وسطحية، لكنها ليست كذلك، إذ إنها تؤثر في الحياة العامة ككل، كما أن الكثيرين من الرجال يشاركون النساء في وجهات النظر حول معاناتهن ورغباتهن، وهناك شريحة كبيرة من المجتمع مهتمة بالمجلة بما فيها وعليها من مواضيع وتتابعها بشغف».
يضيف أبو الريش: «من خلال إدارتي لمجلة (زهرة الخليج)، عرفت جانباً ناعماً وعاطفياً من الخطاب الإعلامي، تحتاجه الحياة وتفتقده وسط زخم الإعلام الآخر، الموغل في العقلانية والمادية، ووجدت أن المواضيع التي تهم المرأة مُمتعة ولطيفة، وخارجة عن الروتين والجمود الذي قد نجده في باقي اهتمامات الصحافة». يواصل حديثه: «لذا اكتفيت بإضافة بعض العُمق في تناولها والاتجاه نحو الفكر والثقافة والتوعية بزيادة جرعاتها في المجلة، مع تطوير بعض المهارات في تحرير قضايا المرأة بصورة تُبعدها عن النمطية وبأنها كائن سطحي وضعيف، وأظن أن هذه هي بصمتي التي وضعتها حينها».

أكثر لطفاً
وعن انطباعه عن العمل مع المحررات يُبيّن: «سعدتُ بروح (الفريق النسائي) الذي كانت له القدرة دائماً على إزالة جميع العقبات التي تعتري العمل، إضافة إلى الإتقان والاهتمام بالتفاصيل، لقد أحببت العمل مع المرأة ووجدتها أسهل في التعامُل من الرجل، كونها أكثر لطفاً وتعاوناً والتزاماً»، يُكمل حديثه: «أدركت من خلال تجربتي في الصحافة النسائية ما لم أكن أدركه، على الرغم من عملي في المجال الإعلامي نفسه، ومن ذلك طبيعة الأنثى الحساسة ووعيها بأدوارها المختلفة، وعملها الدؤوب في تلوين العالم من حولها بأسمَى المعاني وأجمل التضحيات».
 
مكانة مميزة
وينظر الأستاذ على أبو الريش إلى «زهرة الخليج» اليوم، على أنها علامة إعلامية إماراتية فارقة في الإعلام العربي ككل، و(أيقونة) خليجية في عالم المجلات الأسَريّة. «بالتأكيد حدث تقدم في وضع المرأة في الإمارات والدول العربية، إذ أحرزت تقدّماً مُتميزاً وأثبتت كفاءة عالية في مجالات عديدة، خاصة بعد انتشار الإنترنت ووسائل التواصل، وزاد هذا من فُرص الاطّلاع على أوضاع النساء في العالم، وفرَص التعبير عن آرائهم وأدوارهن، وكانت (زهرة الخليج) دائماً حاضرة ومواكبة ومبادرة، وهذا سرّ بريقها الذي لم يُطفأ منذ أربعة عقود وحتى اليوم».