عندما تتحدث إلى الشاعر الدكتور عبد الله بلحيف النعيمي، وزير تطوير البنية التحتية، تَلحظ ابتسامته التي لا تُفارقه، وكمّ الإيجابية والسعادة الذي ينبع من حديثه. وعلى الرغم من تعدّد مناصبه وانشغاله بسبب كثرة مسؤوليات العمل، إلا أنه يرى أن القراءة ونظم الشعر، فضلاً عن ممارسة «رياضة التنس»، من أولويات حياته اليومية التي لا غنى له عنها..

استقبلنا في مكتبه في الوزارة، وكان الحديث معه بعيداً تماماً عن أجواء رسميات المكتب و»البنية التحتية»، مقتربين من معشوقه «الشعر» الذي يقول عنه: «المناصب زائلة والشعر باقٍ».

• كيف أثّرت نشأتك في تكوينك الشعري والثقافي؟
نشأت في بيئة بحرية، إذ ولدت في منطقة الحيرة بالشارقة، حيث نشأ العويس، صقر بن سلطان القاسمي، مصبح الشويهي وغيرهم من الشعراء، وصدرت أول مجلة، إضافة إلى الكثير من المثقفين، وأطلق عليها اسم «عاصمة الثقافة»، وكنت أعشق القراءة منذ الصغر ولم أتخلّ عنها يوماً.

• مَن شجعك على القراءة وكتابة الشعر؟
كنت في طفولتي محظوظاً لأني نشأت في أسرة مثقفة تعشق القراءة وتُقدرها، ولا أنسى فضل «خالي» الذي اشترى لي الكثير من الكتب التي لم تكن متوافرة في ذلك الوقت، أيضاً تأثرت بالزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر في تلك الفترة، وكان يُثير داخلي حماسة عشق الوطن، وتعلمت من خلال خطبه ومواقفه معنى العروبة وأهمية اتحاد العرب، لأن في الاتحاد قوّة.

أهم القصائد
• لماذا تفضل «اللغة الفصحى» في معظم قصائدك؟
لأنها تصل إلى جميع الجنسيات العربية ولا تُخاطب شعباً بعينه، على الرغم من حُبّي لـ«الشعر النبطي» واعتزازي وفخري بلهجتي، لكني أرى أن «الفصحى» أسهل وتصل إلى الآخرين بسهولة.

قصيدة أروى
• ماذا تمثل المرأة في حياة الوزير الشاعر؟
رزقني الله ثلاث بنات وولدين، وقد نظمت شعراً في أولادي جميعاً، وكتبت قصيدة أروى على اسم إحدى بناتي لأنها قريبة جداً إلى قلبي ومرتبطة بي، فعندما أسافر تبكي كثيراً ولا تُريد فراقي، فضلاً عن والدتي التي تعلمت منها الكثير مثل الصبر والعطاء، وأتذكر أنني ذات يوم أهديتها هدية بمناسبة «عيد الأم»، وفوجئت بها تهديها إلى إحدى جاراتنا، وقد أثار ذلك غضبي، وعندما سألتها قالت لي: «أردت أن أهديها بأغلى هدية عندي ولم أجد أفضل من هديّتك لي»، أيضاً زوجتي التي وقفت إلى جانبي وكرّست حياتها من أجل راحتي وإسعادي، وكانت خير مثال للزوجة الصالحة.

• ما اللقب المفضل إلى قلبك؟ الشاعر أم الوزير؟
أعتقد أن اسم عبد الله الأقرب إلى قلبي، ثم لقب الشاعر ثم الوزير، فالوزير يتغير ويأتي غيره ثم نسمع عن الوزير السابق فلان، بيد أننا لم نسمع يوماً عن شاعر سابق، فهو يظل في ذاكرة مُحبّيه ووجدانهم، ويبقى هو وشعره ما بقيَت الحياة، وأعتقد أنني لا أستحق لقب شاعر لأنني لم أصل بعد إلى ما أصبو إليه في كتابة الشعر، وأرى أنني عاشق للشعر وقارئ جيد.

الطيور تُلهمني
• من أين تستلهم قصائدك؟ وماذا عن طقوسك اليومية في القراءة وكتابة الشعر؟
أستلهم قصائدي من الطيور التي تُحيط بشُرفة غرفتي يومياً عند الفجر، وهو الوقت الذي أستيقظ فيه، وأستطيع أن أستمتع فيه بالقراءة، وأيضاً نظم الشعر، فقد يأتي إلى غرفتي طائر «الهدهُد» وطائر «النورس» والعصافير، وغيرها من الطيور المختلفة التي تُلهمني وتُسعدني وينتهي يومي في العاشرة مساءً. وهناك ثلاثة أشياء لا يُمكنني الاستغناء عنها في حياتي، القراءة والكتابة ورياضة التنس، التي تجعل الإنسان يتمتع بروح الشباب مهما تقدم به العمر.

• في رأيك، هل يقرأ الشباب في عصرنا الحالي ويتذوقون الشعر؟
هناك تراجع في ذلك الموضوع، على الرغم من المبادرات الكثيرة التي توفّرها لهم الدولة في هذا المجال، ولا نستطيع أن نظلم الشباب بسبب تقصيرهم في القراءة وتذوّق الشعر، وأعتقد أن السبب في هذا التراجع الكتّاب والأدباء والمفكرون، لأن كتاباتهم لا تزال بعيدة تماماً عن أفكار الشباب ومفرداتهم وما يحبون، فلا بد أن يخاطب الشعر كل جيل بالطريقة المحبّبة إلى قلبه، فالشاعر لا يكتب لنفسه بل يكتب للجمهور والشباب أهمّ مَن فيه.

• قلت إن القراءة مثل «الكالسيوم»، ماذا كنت تقصد بتلك الجملة؟
أعتقد أن حاجة الإنسان إلى القراءة توازي حاجة عظامه إلى «الكالسيوم»، فالعظام تَضعف من دون «الكالسيوم»، كذلك ذهن الإنسان يضعف إن لم يُغذّه الإنسان بالقراءة بصفة مستمرة، ويبدأ بالمعاناة من أمراض العصر مثل الـ«ألزهايمر»، ونرى الكثير من النماذج البشرية من «أصحاب الهمم»، ممّن لديهم إعاقة جسدية لم تؤثر أبداً في تفكيرهم، فأبدعوا وقدّموا الكثير بسبب القراءة.

• هل الجيل الحالي أكثر حظاً بسبب سهولة وصول أكبر قدر من الكتب والقصص إليهم، من خلال «الشبكة العنكبوتية»؟
قديماً، ونحنُ نقرأ ولا نستطيع أن نحصل على الكثير من المعلومات، مثلما نستطيع اليوم من خلال الإنترنت، كان لدينا مزيد من الوقت للقراءة والاستمتاع بها، أما اليوم فلم يعد هناك الوقت الكافي، فقد تغيرت المناهج الدراسية وازدادت ساعات الدراسة، ولم يعد العالم مثل السابق، وهكذا هي حال الدنيا لا تبقى على وتيرة واحدة.

الشيخ زايد
• ماذا عن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (طيَّب الله ثراه)، وترسيخه للشعر وأهمية القراءة والقيَم التي تركها، وكانت إرثاً عظيماً؟
القائد والمؤسس المغفور له (طيَّب الله ثراه)، ظاهرة لن تتكرر في التاريخ، فهو القائد والملهم والقدوة والمثل الأعلى، وقد تعلمنا منه الكثير في مجال القراءة والعلم، والاهتمام بتعليم الفتيات، ومحو الأمية وأنار ظلام الجهل، ونحن اليوم نجني ثمار غرْسه الطيّب، واليوم أحببت القراءة لأنه أحبّها وشجّعنا عليها، أعمل لأن «زايد» يحب العمل، أساعد الآخرين مثلما كان يفعل وغير ذلك من القيم والأخلاقيات، فقد ترك إرثاً كبيراً، وأفخر بأنني من أكثر الشعراء الذين نَظَموا الشعر في المغفور له.

• ماذا تمثل بالنسبة إليك الألقاب التي أطلقها عليك صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهي (شاعر البلاد) و(الوزير الشاعر)؟
مَصدر مَن أطلق تلك الألقاب هو الأهم من اللقب بالنسبة إليّ، فقد تشرّفت كثيراً بلقاء صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وفي كل مرّة أتعلم منه وأنْهَل من أخلاقه، فهو درع الوطن، وهو قيمة وقامة، ومَقولته مصدر فخر يُسعدني كثيراً، فالوزارة مهمة أتولاها لفترة محدودة أخدم بها الوطن وتنتهي، إلا أن الشعر والأدب أستطيع أن أخدم بهما الوطن ما دمت حياً.