• «أحنّ إلى خبز أمي.. وقهوة أمي.. ولمسة أمي، وتكبُر فيَّ الطفولة يوماً على صدر يوم، وأعشق عمري لأني إذا متُّ، أخجَل من دَمْع أمّي...». هذا ما قاله الراحل المبدع محمود درويش، وهو فعلاً ما أشعُر به في مناسبة «عيد الأم» تجاه أمي، التي كنت دَوْماً أظن أن الحياة تشبه حضنها، ولكني كلما نضجت تأكد لي أن أمي هي الحياة ذاتها. وفي مناسبة «ست الحبايب»، لا يسعني سوى أن أهنّئ أمي الغالية، وأوجّه تحيّة إجلال وتقدير إلى (أم الإمارات) الموقَّرة، وكل أمّ.. بدءاً من زوجتي العزيزة، وأختي، وكل من تربطني بهنّ صلة قرابة أو صداقة أو زمالة اجتماعية أو فنية، مُتمنياً لهنّ دوام الصحة والسعادة وراحة البال. وأقول لهنّ: دمتُن سالمات، ودامت الجنّة تحت أقدامكن. ولقرّائنا بهذه المناسبة، نأمل لهم متعة قراءة ما أعددناه هذا الأسبوع في «زهرة الخليج» من موضوعات عن الأم.

• تقول القصة: «كان لإحدى الأمهات عين واحدة، وقد كرهها ابنها لما كانت تُسبّبه له من إحراج، فكان يرى شكلها مُقزّزاً، وكانت هذه الأم تعمل طاهية في المدرسة التي كان يدرس فيها ابنها، لتُعيله وتساعده على أن يُكمل دراسته، وكان الولد يحاول دائماً أن يُخفي عن أصحابه أن تلك (الطاهية) هي أمه خوفاً من تعليقاتهم، وخجلاً من شكلها. وفي أحد الأيام صعدت الأم إلى فصل ابنها لتطمئن على تحصيله الدراسي، هنا أحسّ الولد بالإحراج والضيق لما فعلته أمه، فتجاهلها ورماها بنظرة مليئة بالكراهية والحقد. وفي اليوم التالي، أبدى أحد التلاميذ سخرية من ذلك الولد، قائلاً له: «يا ابن الطاهية ذات العين الواحدة»، حينها تضايق الولد وعوضاً عن أن يُدافع عن أمه، تمنّى لو كان في إمكانه أن يدفن نفسه، أو يدفن أمه، ليتخلص من العار والخجل الذي يسببه له شكلها. وواجه الولد أمه بعد السخرية التي تعرّض لها قائلاً لها: متى ستموتين وتختفين من حياتي لأتخلص من الإحراج الذي أتعرض له بسببك؟ سكتت الأم حينها وانكسر قلبها، وغادر ابنها المكان من دون أن يأبَه لمشاعرها.. بعدها أنهى الولد دراسته الثانوية، وحصل على منحة دراسية في الخارج، فسافر ودرس وتزوج، وكان سعيداً في حياته بعد أن ابتعد عن أمه التي كانت في نظره مصدر الضيق الوحيد في حياته. وبعد بضع سنين قررت الأم أن تسافر لترى ابنها وأحفادها، فلما رأوها سخروا منها وخافوا من شكلها وبدؤوا بالبكاء، فانزعج الابن من أمه وكيف أنها ضايقت أسرته، وأمرها أن تخرج من المكان خوفاً على أبنائه، فخرجت من دون أن تُبدي أي تعليق والدموع تُغرغر في عينيها. وفي يوم من الأيام، قرر الولد أن يذهب إلى البلد الذي عاش فيه طفولته، ومن باب الفضول توجّه إلى البيت الذي عاش فيه طفولته مع أمه، وهناك تعرّف إلى الجيران، فأخبروه أن أمه توفيت، ولم يحرّك ذلك الخبر ساكناً فيه، وكانت وصيّة الأم إلى أحد الجيران أنه إذا رأى ابنها يوماً ما، أن يقوم بتسليمه ظرفاً تركته بحوزته، وهذا ما حدث، ولمّا فتح الولد الظرف وجد فيه رسالة كتبتها الأم تقول فيها: «ابني الحبيب، لقد أحببتك كثيراً، وكم أحببت أن تعيش معي وأرى أحفادي يلعبون من حولي في هذا البيت الذي عشت فيه وحيدة، وكانت الوحدة فيه تقتلني. ابني الحبيب يَكمُن داخلي شيء لم أخبره لأحد في حياتي، ستكون الوحيد الذي يعرفه. فبعد أن توفي والدك في حادث سير، أصبت أنت وفقدت عينك اليمنَى، وتأسّفت وتحسّرت عليك، ولم أكن أتصور كيف ستعيش بعين واحدة، وقد يسخر منك الأطفال. لذلك من حُبّي لك تبرعت لك بعيني يا قرّة عيني». ويُقال إن ذلك الابن الضال لا يزال يبكي دَوْماً على والدته.. فهل عرفتُم أيها الفنانون بعد ذلك مَن هي الأم؟!