يقول الفيلسوف الألماني شوبنهاور: «الرجال بطبيعتهم لا يبالون ببعضهم البعض، أما النساء فأعداءٌ بطبيعتهن». لو عاش شوبنهاور في زمننا هذا لـنُصبتْ له المشانق في الهاشتاقات النسوية، ولقامت حملةٌ واسعة لحظر حسابه في «تويتر»، فالموازين تغيّرت، وشعار (النساء للنساء) صار يُترجم بصدقٍ على أرض الواقع، وبما يخالف رأي الفيلسوف التشاؤمي. ثم يأتي فيلم The Favourite الذي يروي قصة صراعٍ أنثوي في أروقة العرش البريطاني، ليجعلنا نتساءل: هل تكون العداوة أكثر حدّة بين امرأتين عمّا إذا كانت بين امرأةٍ ورجل؟ إن أخذنا في الحسبان دافع الغيرة والتنافسيّة بين أفراد الجنس الواحد. وهذا التساؤل لا يتعلّق بالمرأة فقط، فغيرة الرجال من بعضهم البعض سببّت أول جريمة قتل في التاريخ، حين قتل قابيل أخاه هابيل لأنه ظفرَ بالفتاة الأجمل لتكون زوجةً له.

الملكة آن
تدور أحداث فيلم The Favourite في إنجلترا في القرن الـ18، بينما كانت البلاد تخوض حرباً ضد فرنسا. الملكة آن مريضة وتظهر أحياناً كمجنونة، متأثرةً بأحداث ماضيها الحزين، ولم يبقَ لها من أحدٍ إلا صديقتها ومستشارتها الليدي سارة، التي تدير شؤون الحكم بشخصيتها القوية. يتغير كل شيء مع دخول أبيغيل (إيما ستون) إلى القصر، حيث تعمل خادمة، وتتدرج في المناصب طامحةً إلى استعادة مكانتها الاجتماعية المرموقة، بأي وسيلةٍ كانت، لتخلق بذلك توتراً في علاقتها بالليدي سارة، حيث تتنافس كلتاهما على نيل رضا الملكة.

غرابة.. كآبة وسوداوية
رُشّح الفيلم لخمس جوائز أوسكار، من بينها جائزة أفضل فيلم، وفازت بطلته أوليفيا كولمان بأوسكار أفضل ممثلة رئيسية عن تجسيدها لشخصية الملكة آن. سر روعة هذا الفيلم هو المخرج اليوناني يورجوس لانثيموس، فالقصة على الورق تبدو تقليديةً وسطحية، لكن لانثيموس ساحرٌ يخرج من قبعته ما لا يخطر على البال، حيث يمتلك فلسفةً خاصة في زوايا التصوير وحركة الكاميرا والموسيقى التصويرية وتفاعل الممثلين مع بعضهم، لدرجة أنك تستطيع تمييز بصمته بسهولة إن كنت قد شاهدت بعض أفلامه السابقة. الصمت في أفلام لانثيموس أبلغ ما يكون، فهو يدفع المشاهد إلى الغوص في أغوار الشخصيات مستكشفاً الدوافع والغرائز، ومتنبئاً بالخطوة التالية. وهناك دائماً نغمة تتكرر في الخلفية بشكل مزعج وكأنها تُنذر بالسوء، وتعبّر عن النزعات الحيوانية القابعة في عمقٍ مظلم من النفس البشرية. كل هذا يخلق خيطاً مشتركاً من الغرابة والكآبة والسوداوية المتعمدة في أعمال هذا المخرج، وإن كانت أقل حدةً في فيلم The Favourite، حيث لم يشارك في كتابة السيناريو كما فعل في فيلميه The Lobster وThe Killing Of A Sacred Deer، ولتفهموا ما أعنيه بالغرابة يكفيكم أن تعرفوا أن قصة الفيلم الأول تدور حول مدينةٍ تجبر العزّاب على التوجه إلى فندقٍ ما للبحث عن شريك حياتهم المثالي خلال 45 يوماً، وفي حال فشلهم؛ يتحول كلٌّ منهم إلى حيوانٍ من اختياره! أما الفيلم الثاني فيتناول قصة طبيب يتعرض أفراد أسرته لحالات شلل متتابعة وغير مفسّرة طبياً، ويضطر إلى التضحية بأحدهم لينقذ البقية.

أوسكار أفضل ممثلة
الآن يمكنني أن أقول إن أوليفيا كولمان استحقت أوسكار أفضل ممثلة عن جدارة، وفي خطابها اللطيف بعد تسلمها الجائزة بدت لي وكأنها امتداد لشخصية الملكة آن الطيبة المضطربة. أما إيما ستون التي لعبت دوراً لم نعهده عليها من قبل، فأقول لها: مهما حاولتِ أن تبدي شريرة فلن نكرهك!

تذكرة لي ولكم
توصية لبعض أفلام إيما ستون:
• La La Land
• The Help
• Birdman
• Crazy Stupid Love
• Easy A
• Gangster Squad
• Battle Of The Sexes