لا يدرك كثير من الأزواج حساسية نشر مشاكلهم عبر منصات «التواصل الاجتماعي» التي أصبحت مكاناً آمناً في نظر البعض، لطلب المشورة والنصيحة، من أشخاص غرباء، قد يكونون غير مؤهلين، أو مروا بظروف وتجارب مختلفة.

مؤخراً نظمت «مؤسسة التنمية الأسرية» الحملة التوعوية الاجتماعية الأولى تحت شعار «أسرة متماسكة.. مجتمع متسامح»، واضعة أهدافاً سامية لتحقيقها في المجتمع الإماراتي، منها رفع مستوى وعي الشباب حول الزواج ومسؤولياته، وتمكينهم من اختيار شريك الحياة وفق معايير سليمة تسهم في بناء أسرة مستقرة، فضلاً عن رفع معدلات الوعي المجتمعي تجاه مفاهيم تعزيز الاستقرار الأسري. ومن بين المشاكل التي تسعى الحملة إلى تلافيها، لجوء أحد الزوجين إلى الفضاء الإلكتروني، بحثاً عن حل لمشاكل قد تعترضه في حياته الخاصة مع شريكه.

حافة الخطر
تؤكد أخصائية التغذية، مريم فخري، أنها لا تستطيع التخلي عن عادتها في الفضفضة عبر منصّات «التواصل الاجتماعي»، وتقول: «جروبات (الفيسبوك)، تمثل لي الملاذ والملجأ في وضع الكثير من الحلول لمشكلاتي مع زوجي، ويكفي أنني أجد من يستمع لي ويشعر بآلامي، لاسيّما أن المشاركين في هذه (الجروبات) نساء وفي الأغلب متزوجات، ومن وجهة نظري لديهن الخبرة الكافية في الحياة، فلولا أنني وجدت من يساعدني بمشورته على هذه المواقع، لصارت حياتي الزوجية على حافة الخطر، فكثيراً ما كنت أسمع تعليقات عن أنني لا بدّ أن أصبر وأتحمّل وأتعامل بهدوء مع العاصفة حتى تهدأ. وفي اعتقادي أن هذه المساعدات هي السبب في عدم طلاقي من زوجي إلى الآن».

أقصر الطرق
على النقيض من تجربة فخري، ترفض ربة المنزل فاطمة ضياء، الفضفضة على مواقع «التواصل الاجتماعي»، خاصة في الموضوعات الخاصة بالحياة الزوجية، مُشيرة إلى أنها منذ عام كانت عضواً في «جروب للفيسبوك» يضم 3000 سيدة، وفي إحدى المرات اشتكت سيدة من تدخلات أم زوجها المستمرة في حياتها اليومية، إلى حد التدخل في المصروف الشهري. وتضيف: «انهالت النصائح على هذه السيدة بألا تستسلم لوالدة زوجها وترفع دعوى طلاق، وبعد مرور شهر تقريباً كتبت تلك المرأة، على (الجروب) نفسه، أنها طُلقت من زوجها، وأنها حزينة جداً بسبب وضع صغارها من دون أب، ويسألونها يومياً عنه ولماذا تركهم، وأنها تشعر بالندم لأنها لم تتروَّ وتفكر في حلول أخرى غير الطلاق. فهذه الواقعة، التي جرت أمام ناظريّ، دفعتني إلى الخروج من المجموعة والمجموعات المشابهة كافة. فمواقع «التواصل الاجتماعي» أصبحت في عصرنا الحالي أقصر الطرق لهدم البيوت».

كتمان الأسرار
ينصح «مدرب ومستشار التنمية الأسرية» عادل راشد الزعابي، بعدم اللجوء إلى ما يسمّى «جروبات الفضفضة على السوشيال ميديا»، مشيراً إلى أن تلك المواقع تُضلّل الناس باستشارات تصدر عن أشخاص غير مؤهلين للتعامل مع القضايا الأسرية. وينصح الزعابي مَن تواجهها مشكلة عائلية مع زوجها أو أسرتها بالتوجه إلى مُتخصصين، لاسيّما أن الدولة وفّرت الكثير من الجهات الرسمية المتخصصة التي تناقش المشكلات الأسرية، وتضع الحلول في سرّية تامة، مع الحفاظ على الخصوصية، مثل (مؤسسة التنمية الأسرية، دائرة القضاء، الهيئة العامة للإفتاء)، وجميعها جهات رسمية لديها خُبراء ومتخصصون. ويضيف الزعابي: «لا بد أن تقوم العلاقة الأسرية على كتمان أسرار الحياة الزوجية، وكثيراً ما سمعنا عن حالات طلاق سببها أن الزوج كان على (الجروب) نفسه باسم مستعار، وعلم أن زوجته نشرت خلافاتهما على الملأ». ويشير الزعابي من واقع خبرته إلى وجود شخصيات تدخل مثل هذه (الجروبات) من أجل التسلية، وفي الأغلب تعطي رأياً خاطئاً قد يهدم أسرة ويُشتّت كيانها من دون أن تعبأ بذلك.

ميثاق غليظ
يؤكد أستاذ الشريعة والدراسات الإسلامية في «كلية الشرطة»، الدكتور محمد محسن الديسي، أن إفشاء أسرار الحياة الزوجية غير جائز شرعاً للمرأة والرجل على حد سواء، فالحياة الزوجية «ميثاق غليظ» ولا يجوز المساس به. وبالنسبة إلى مواقع «التواصل الاجتماعي»، يُشدّد الديسي على ضرورة أن يكون هناك قانون يُجرّم نشر الخلافات الزوجية وطرحها على الملأ، لأن ذلك سوف تنتج عنه عواقب وخيمة غير محمودة. ويشير إلى أن الله أعطانا الحل في كتابه العزيز عندما قال: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ). والمقصود من تلك الآية أن يرجع الإنسان إلى المتخصصين وأهل العلم في كل أمور الحياة والآخرة، موضحاً: «كما اطّلعت.. فمعظم مشتركات هذه (الجروبات) غير مؤهلات، وليس لديهنّ العلم الكافي في علم النفس والاجتماع، وأحكام الشريعة الإسلامية التي من الممكن أن تؤهلهنّ لتقديم النصيحة».

مليون مستخدم في الإمارات
حسب تقرير أعدّته (مؤسسة الأبحاث العالمية «كراود أناليزر»)، بلغ عدد الحسابات النّشطة على مواقع «التواصل الاجتماعي» في دولة الإمارات، نحو 19.3 مليون حساب، تتوزع بواقع 8.5 مليون مستخدم على الـ«فيسبوك»، و3.5 مليون مستخدم نشط على «لينكدان»، و3.3 مليون مستخدم لـ«انستجرام»، ومليوني مستخدم لـ«تويتر»، والعدد ذاته من الحسابات على موقع الـ«سناب شات».

«أسرة متماسكة»
تشارك «شركة أبوظبي للإعلام» في الحملة التوعوية الاجتماعية الأولى التي تنظمها «مؤسسة التنمية الأسرية» بشراكة استراتيجية فاعلة مع «ديوان ولي العهد» في أبوظبي تحت شعار «أسرة متماسكة.. مجتمع متسامح» ويشارك في الحملة أيضاً كل من القيادة العامة لشرطة أبوظبي ودائرة القضاء ومركز أبوظبي للإحصاء وهيئة أبوظبي للإسكان والهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف. وتسعى الحملة إلى التذكير بأن الأسرة هي الحاضنة الأساسية للإنسان، والنواة الأولى لوطن متماسك ومتسامح وآمن.