الحب يباغتنا مرتين. أثناء اندهاشنا بعاصفة قدومه، ننسى بأنّ «العاصفة تهب مرتين» وأن هنالك مفاجأة أخرى تنتظرنا في آخر الطريق.
يأتي الحب محملاً بالهدايا، بالقصائد والرسائل والوعود والخفقان، بالدوران الذي يُفقدنا وضوح الرؤية. من معجزاته أنه يجملنا حين يأتي، يحولنا بضربة من عصاه السحرية، إلى حدّ لا نتعرف فيه إلى أنفسنا، ولا إلى العالم من حولنا، لكنه في مدّه وجزره، كما البحر يأخذ معه في انسحابه كل شيء، ويتركنا للعراء والذهول، شاطئاً مهجوراً يغطيه ما يقذف به البحر بعد رحيله من أعشاب بحرية.
الحب منذور للمغادرة، لا شيء يشبه جمال بداياته إلا عنف النهايات، ولا انبهارنا بقدومه، إلا بؤسنا حين رحيله. ذلك أن الفراق يمحو ما كان جميلاً فينا، ويجردنا من سحر ما توقعنا أن مفعوله زائل.
تلومين نفسك، توبخينها، تهملينها، تتخلين عنها، لأن أحدهم تخلى عنك. ها أنت تدفعين الثمن مرتين!
أصيح بصديقتي «أيتها الحمقاء.. لا تفقدي ثقتك بنفسك، إنها مجرد خدعة عاطفية، شبيهة بخدع المرايا. بقدر ما جملك الحب سترين الأشياء مشوهة من بعده. لا تبحثي في هاتفك عن لوعة كلمات، ستترك في قلبك كدمات، ولا تفتحي خزانة ثيابك، لتتفقدي ما ترك الحب عند رحيله من أثواب، فتتنشقي نافتالين الغياب.
جملي ذكرياتك القادمة، بإصرارك على تجميل حاضرك، تمسكي بالأوهام الجميلة، اهدي نفسك أثواباً جديدة لمواعيد تنتظرك، اختاري لقلبك وجهات سياحية ستقصدينها في الحب القادم، اقتني أحذية خفيفة ستركضين بها في طرقات السعادة، هذا هو الامتياز الذي يتمتع به أولائك الذين يعرفون كيف يتمسكون بالأوهام الإيجابية، والقادرون على جذب أمنياتهم، لفرط توقعها.
للحب كل يوم عيد، لمن يقرر أن يحب نفسه أولاً، وأن يهدي قلبه قسطاً من الأنانية. ليس في حياتك أحد فليكن. إنها فرصتك لتقعي في حب نفسك، فهذه قصة حبك الأبدية الوحيدة، وكل حب آخر يُبنى عليها. لقد كنت جميلة قبل الحب، وستبقين كذلك بعده، كل ما تحتاجين إليه، أن تتذكري ذلك، وترفعي تحدي التفوق في كل ما يمكن للخذلان أن يسلبه منك.
البطولة فعل تحدٍ، تأملي حولك معشر الفائزين، كل الأبطال انطلقوا بعد هزيمة، لتنجي من الإحباط، انسجي أسطورتك الشخصية في الحياة، كما رواية أنت بطلتها».
ضحكت صديقتي وقالت: «أتريدينني كاتبة؟».
قلت: «ولمَ لا؟ اكتبي.. الكتابة تجملنا، ترمم ما تهشم داخلنا. إنّها المرآة الوحيدة التي لا تخدعك. لا يعنيك ألا يقرأك أحد. اكتبي لنفسك أولاً، فكل ما تكتبينه يغادر قلبك ليقيم على الورق، إنك تقتلينه بدل أن يقتلك»!