في جمهورية أفلاطون هناك إصرار على تصوير المرأة على أنها رجل ناقص، ولكي تكتمل المرأة عليها أن تتعلم مهارات الرجال في الحرب والطراد في الصيد، وهنا تحقق درجة من المساواة كلما اقتربت من تمثل الرجال، وتبني سلوكهم العملي كما هي دعوى أفلاطون، ولكن أفلاطون يمنح المرأة حق التساوي مع الرجل إن هي تمثلت سلوكه، إلا أنه يحرمها حق التساوي العقلي، وتظل المرأة عنده ناقصة بما أن الفلسفة للرجال وبالتالي فالعقل لهم، بل بلغ به الأمر تشبيه صحبة المرأة للرجال في الحروب بصحبة كلاب الصيد للرجال وقت الطراد، مما يجعل مفهومه للمساواة أنها مساواة بالتكاليف وليست بالقيمة والمنزلة.
هذا ما يخلفه أبو الفلسفة للفكر البشري، الذي ظل يقلل من شأن المرأة مقارنة بالرجل، ومما يشفع لهذه الأفكار أن تمر عبر القرون، هو أن المرأة نفسها لم تتصدَّ للدفاع ضد الاستعمار الثقافي لها، غير أن زمننا هذا يشهد تحولاً نوعياً يحدث بسبب اكتساب المرأة لوعيها وتصورها لدورها وتصديها للعلوم العقلية إبداعاً وفكراً، وظهور براعتها في العلوم التقنية كما العقلية.
هنا تلزمنا مراجعة الصيغ الثقافية التي تمنح المزايا للرجل وتخصه بالصفات، ولنتذكر كلمة (ابكِ بكاء النساء على مُلْك لم تحفظه حفظ الرجال) وهي جملة قالتها والدة آخر ملوك الأندلس حين سقوط غرناطة، وظلت الجملة تتفاعل في ثقافتنا مع ما فيها من تقسيم للأدوار بين مكان الرجولة ومكان الأنوثة، فهي تصف خوار الرجل وجبنه وانكساره بأنه حال نسوية تقلص قيمة الرجل، ومن الواضح أن ثقافة الأزمنة الماضية كانت تتقبل هذه المعادلة ولا تراها منحازة.
مسؤوليتنا اليوم هي أن نتصدى لتحرير وعي ثقافي إيجابي، لا تكون مهمته إلغاء الصيغ المستقرة تراثياً، لأن الإلغاء محال، ولن نعيد تصحيح مسارات الزمن الماضي الذي لم يكن من إنتاجنا ولا هو من مسؤولياتنا، ولكننا مسؤولون عن زمننا، ولهذا تجب إشاعة الوعي بأن هذه الصيغ هي انعكاس لواقع ثقافي كانت المرأة فيه خارج الحسبان الثقافي، ومثال جمهورية أفلاطون واضح جداً هنا، ولكن ليس لأحد في هذا الزمن أن يظل تحت سطوة تفكير أفلاطوني، لم يعد يمثل حال البشرية اليوم. ولن تفلح ثقافتنا الحالية إن لم تمثل نفسها وواقعها. أما ترداد ما استقر في المدونات وكأنه يمثل حالنا اليوم فهذا ضرب من العمى الثقافي.