تاريخياً، لم تكتفِ النساء بالقراءة كضرورةٍ معرفية، تساعدهن على وظائفهن في المجتمع والأسرة. كثيرات عبر العصور تقدمن في اتجاه تحويل القراءة من سلوك فردي إلى تنظيمٍ جماعيّ، كما هو شأن الصالونات الثقافية، الذي بلورته المرأة، واكتشفت مدى أهمية دورها القيادي في مجتمعها المحلي.
العربيات رائدات في بناء علاقات عاطفية وجدلية مع الكتب، ليس فقط على مستوى القراءة التقليدية، وإنما في النقد والتحليل للشعر والقصة والسيرة، مثلما يسجل لنا القرن الـ11 الميلادي أن الشاعرة الأموية الأندلسية ولادة بنت المستكفي أسست صالوناً أدبياً، كان موئلاً للشعراء والأدباء، وشهد مساجلات وقراءات وجدالاً في الأدب والموسيقى.
صالون ولادة في قرطبة، وقبلها مجالس النساء الأدبية التي كانت شائعة قبل الإسلام، ثم صالون سكينة بنت الحسين في الحجاز، كلها صنعت ظاهرة عربية بامتياز، لم تعرفها أوروبا إلا في القرن الـ18 بصالون مدام «دي ستايل» في باريس. وكلها صنعت حالات ثقافية على امتداد عصورها، وأكدت ريادة النساء في تشجيع القراءة، ونقلها إلى أبعاد التحليل والنقد.
لا أحاول بذلك إثبات دور المرأة القارئة المؤثرة والقيادية في واقعها وعصرها. فهذا الشكل من التنظيم الثقافي ظلّ متصلاً في الحياة العربية، فصالون مي زيادة شكّل ظاهرة أدبية بارزة، وكان من رواده أمير الشعراء أحمد شوقي، وعميد الأدب العربي طه حسين، وعباس محمود العقاد، وغيرهم.
في الإمارات أيضاً، انتشرت صالونات القراءة والأدب، مثل «مجلس شمّا بنت محمد للفكر والمعرفة»، والملتقى الأدبي، الذي تأسس عام 1998، وصالون بحر الثقافة، قبل تحوله إلى مؤسسة، وبفضل هذه الجهود باتت قراءة الكتب ومناقشتها من التقاليد الثقافية الراسخة في أبوظبي ودبي والشارقة.

ضوء
النساء اخترعن اللغة في قديم الزمان، حينما كان الرجال يصارعون الوحوش في الغابة، وحفظن كثيراً من التراث الشفاهي، وعندما انتزعن حقهن في التعليم، تطورت ثورة المعرفة في التاريخ الإنساني، وباتت المرأة القارئة والكاتبة شاهداً على رقي المجتمعات، ونهضة الإنسان فيها..