للمرأة حضور قوي في كل الفنون الإنسانية، فهي الأرض التي تحمل الإنسان قبل خروجه إلى الحياة، والحبيبة التي تُكتب لعينيها القصائد على ضوء القمر، والأخت التي يسند الأخ رأسه على كتفها كلما أراد البكاء، والشريكة التي تقاسمه عمره، فيقاسمها الدنيا. وهنا، بعيداً عن اللغة المكتوبة، قريباً من اللغة اللونية، نطوف مع الفنانين في لوحاتهم الشهيرة، لنعرف من هي المرأة التي اختاروها لتكون مقترنة بأسمائهم، ومانحة الخلود للوحاتهم.


دورا مار
سيدة جميلة، ذات لباس مخطط ومنقط، وأظافر طويلة، تجلس على كرسي خشبي، بورتريه للفنان بيكاسو، رسمها في أواخر الثلاثينات وبداية الأربعينات من القرن الماضي، اللوحة التي تعد من إحدى أغلى اللوحات في العالم. ليست عارضة عابرة، هذه السيدة التي تناولها بيكاسو موضوعاً للوحته، في عهده التكعيبي، كانت امرأة ارتبطت بالفنان بعلاقة حب وصداقة طويلة، أثرت في فنه وحياته، حتى أصبحت عارضته الرئيسية، اسمها دورا ماركيفتش. كانت دورا معروفة في الأوساط الثقافية مصورة فوتوغرافية، وقد شاركت بيكاسو همومه السياسية، ورسمها في العديد من البورتيريهات، وهذه اللوحة أبرزها. كانت المصورة الوحيدة التي سمح لها بتصوير مراحل إنجازه للوحته الشهيرة «غيرنيكا».


والدة ويسلر
من إحدى القصص التي نسجت عن هذا البورتريه، هي أن الفتاة التي كان من المفروض رسمها، لم تحضر إلى استوديو الفنان الأميركي جيمس ويسلر، ولم يكن لديه من يحل محلها، فاستبدلها بوالدته آنا. اتخذ البورتريه رمزاً للأم وقداسة العلاقة بها، حتى إنها طبعت على طابع بريدي في أربعينات القرن الماضي، احتفالاً بالأمهات الأمريكيات وتكريماً لهن. يصور ويسلر أمه في اللوحة شخصية قوية، وقورة كما يبين من خلال جلستها المعبرة، والوجه واليدين، بتناسق لوني بديع، بين الثوب والستارة، ولون الجدار.


الفتاة ذات القرط اللؤلؤي
من أشهر لوحات الفنان الهولندي يوهانس فيرمير، لوحة زيتية لفتاة ترتدي غطاء للرأس وقرطاً من اللؤلؤ، رسمها عام 1665 بألوان خافتة، تحمل سحر الموناليزا، ودهشتها. الفتاة كانت تعمل في منزله خادمة، قليلة الكلام، وتتحمل إساءة معاملتها من الجميع. كانت تعمل على تنظيف مرسم فيرمير، الذي لم يكن يسمح لزوجته بدخوله، رأى أنها تناسب الصورة التي يود رسمها، فأعطاها قرط زوجته اللؤلؤي ونفّذ عمله هذا، الذي خلد اسمه إلى جانب أعماله العديدة الأخرى. وتشير روايات أخرى إلى أن القرط قد يكون إضافة لونية أضافها الفنان إلى عمله وليس حقيقياً، بحسب القراءة الأقرب للعمل.

لحظات استرخاء
رسم «جون سنغر سارجنت» في هذه اللوحة ابنة أخته وجليسته المفضلة روز ميري مايكل، كما رسمها في الكثير من لوحاته. وكانت روز التي عاشت في بيئة مرفهة ومحاطة بصفوة المجتمع الأوروبي، امرأة جميلة وثرية. رسمها جون كأنها امرأة مجهولة ومتعبة ومستغرقة في حلم يقظة، بألوان متوهجة ومتناغمة وبدقة واضحة.
تزوجت روز من مؤرخ للفنون قتل في الحرب العالمية الأولى، قررت بعده تكريس حياتها لمعالجة جرحى ومرضى الحرب، حتى سقط على الدير الذي كانت ترعى فيه المصابين صاروخ أدى إلى وفاتها، ودفنت إلى جوار زوجها.


سانت كاثرين
سانت كاثرين، التي رسمها الفنان الإيطالي «كارافاجيو» في هذه اللوحة، هي إحدى الشخصيات التي منحت مرتبة القداسة، وتم تناولها في كثير من الرسومات التي تعتني بالأيقونات المسيحية. هي امرأة من أسرة نبيلة بإسبانيا في القرن الرابع الميلادي، اعتنقت المسيحية ووهبت نفسها لها، ونجحت في تحويل الكثير من فلاسفة الوثنيين إلى المسيحية. أدى هذا إلى سجنها بأمر من الإمبراطور، الذي استطاعت فيما بعد تحويل زوجته وقائد جيشه إلى الدين الجديد، فأمر بإعدام كل من تحول إلى دينها بمن فيهم زوجته، وأعدمها هي على عجلة خشبية. تقول الأسطورة إن العجلة تدمرت حين وضعت عليها كاثرين بعاصفة رعدية، مما دفع الإمبراطور إلى أن يأمر بقطع رأسها بالسيف.

فتاة عند النافذة
فتاة تعطينا ظهرها، وتشاهد خليج كاداكيس من النافذة، في أحد أيام الصيف، لوحة للفنان الغرائبي سيلفادور دالي، الذي مارس غرابته في هذا العمل عن طريق إخفاء الوجه عن المشاهد. هذه الفتاة هي آنا ماريا شقيقة دالي المقربة، قبل أن تفسد علاقتهما بعد دخول غالا إلى حياته. في اللوحة الكثير من التفسيرات النفسية التي تخلق نوعاً من التناقض بين الصفاء وتعكر العلاقات، وهي واحدة من اللوحات الكثيرة التي تخلق جدلاً لقارئي فن دالي.

امرأة تدعى سافو
بورتريه مجهول الفنان، عثر عليه في أحد المنازل الأثرية في إيطاليا، أصبحت إحدى أشهر الجداريات في العالم. يُظن أن المرأة المرسومة حاملة قلمها الذي تضعه على فمها في إشارة للتفكير العميق، ولوحها الخشبي، واضعة على رأسها خماراً تبرز أطرافه الذهبية، وتبدو عليها ملامح الجدية، هي سافو، أول شاعرة أنثى عرفتها الحضارة القديمة. لها قصيدة مشهورة بعنوان «اصنعوا الحب لا الحرب» تناقض الإلياذة، وتجعل الحب قيمة أعلى من قيم المؤسسة الحربية الإغريقية.

أديل بلوخ باور
غوستاف كليمنت، المتميز بالزخرفة، والمساحات الذهبية، والتفاصيل في الأثواب، رسم عام 1907 أديل بلوخ، زوجة رجل الأعمال الذي كان يرعاه فريديناند بلوخ باور، في أكثر من بورتريه، كما اتخذها موديلاً للوحات أخرى. وهي سيدة المجتمع الوحيدة التي رسمها كليمنت مرتين.