شباب وشابات، رياضيون ورياضيات، وحياة دينامية مليئة بالنجاحات والأحلام والطموحات وفجأة، في لحظة قاتمة حزينة، نسمع خبراً:
مات الشاب الرياضي وهو يلعب كرة القدم، أو نامت الصبية المليئة بالحياة ولم تقم. فهل يُمكن إدراج الحادثتين في إطار القضاء والقدر؟
أم يفترض السؤال: لماذا يموت الشباب والشابات المميزون رياضياً غالباً فجأة؟ وهل من أسباب طبية تكشف النقاب عن الموت المباغت؟

اللاعب الكاميروني مارك فيفيان فويه، اللاعب البرازيلي رامون نيتة دا كوستا، لاعب الأهلي المصري محمد عبد الوهاب، لاعبة كرة القدم التونسية وحيدة عبد السلام، لاعبة كرة الطائرة الفنزويلية فيرونيكا جوميز، المتزلجة الروسية ألينا ياكيمكينا. اللائحة طويلة، وهي تنسحبُ على شبان وشابات كثيرين أجهدوا أنفسهم ذات يوم فلاقوا حتفهم، ومن هؤلاء نذكر أسماء معلومة بينها: الممثلة والإعلامية المغربية وئام الدحماني التي لفظت أنفاسها في سيارتها إثر إصابتها بنوبة قلبية، الفنانة صفاء مغربي تعرضت للإغماء وهي على المسرح وماتت، أسطورة بوليوود النجمة الشهيرة سريديفي كابور التي أصيبت بأزمة قلبية مفاجئة، واللائحة هنا أيضاً تطول. وعلينا أن نسأل: لماذا يزداد الموت بأزمات قلبية بين من هم بصحة ممتازة ويمارسون الرياضة ويعيشون حياة يفترض أنها صحيّة آمنة؟

القلب شرايين وكهرباء
الاختصاصي في أمراض وكهرباء القلب الدكتور برنارد حربية، يُميّز بين من يُصابون بذبحة قلبية أو نوبة قلبية أو جلطة قلبية. ويوضح: «كلهم يموتون بالقلب، لكن من يُصابون بالسكتة يكونون غالباً في ربيع العمر، وتسبب موتهم مشاكل في كهرباء القلب لا في شرايينه. إذ يُصاب القلب بمشاكل في الشرايين أو في كهرباء القلب، وتتأتى الذبحة نتيجة انسداد في الشرايين، وهذا الانسداد يؤدي إلى اضطرابات في كهرباء القلب تؤدي إلى الموت المفاجئ وحدوث السكتة القلبية». إذاً هنالك تفصيل أدق أي انسداد في أحد شرايين القلب، قد يؤدي إلى حدوث الذبحة القلبية وهذه الذبحة قد تؤدي إلى خلل في كهرباء القلب يؤدي إلى مشاكل أو موت، وهو ما يُسمى السكتة القلبية. وهذا الخلل في كهرباء القلب قد يصيب الشباب والشابات بسبب وجود مشاكل جينية أو تشوهات خلقية، وهي غالباً ما نُعبّر عنها حين نسمع بحدوثها بقولنا: (نام ولم يقم. غاب عن الوعي ومات. وغادر ولم يعد)، لكن المسألة أبعد وأكبر من كل هذا. مات الشاب أو ماتت الصبية بسبب مشاكل في كهرباء القلب. فلنعرف أكثر عن الموضوع لنتمكن من تجنبه بشكل أسهل.

قلوب الأطفال
لعلّ المشكلة الأهم هنا هي أن الكثيرين، لا يفكرون مطلقاً بقلوب الشباب إلا حين يكون الكلام عن الحبّ، جاهلين أو متجاهلين أن الشباب، أو حتى الأطفال، قد يموتون بمشكلة في القلب لأكثر من سبب. يشرح الدكتور حربية: «هناك حالات موت تحدث بين الصغار بسبب مشاكل في القلب يستبعدها كثيرون، فتتفاقم وتؤدي إلى حالات (الموت المفاجئ) بينهم في حال لم تُكتشف باكراً، ويعجز أطباء الأطفال غالباً عن اكتشافها، لذا مطلوب من الأهالي الانتباه إلى وجود دقات قلب سريعة عند صغارهم أو تغيير في اللون، كأن يميل لون الوجه إلى الأزرق، لأن اكتشاف الحالة باكراً يسهم في النجاة». انتشار مثل هذه المشاكل تكون بين الذكور أكثر منها بين الإناث، بمعدل 1.7 ذكور مقابل أنثى واحدة. ومعلوم أن النساء يبقين محميات من الإصابة بالقلب ما دمنّ تحت تأثير الدورة الشهرية ويصبحن بعدها معرضات أكثر. لكن لكل قاعدة استثناء، لذا نرى شابات رياضيات يلفظن أرواحهن وهن في الملاعب الرياضية.

احذروا هذه الإشارات
للسمنة والتدخين وارتفاع ضغط الدم، علاقة بالموضوع. لكن ماذا عن الأعراض؟  هناك إشارات قد تكون بمثابة تحذير مسبق بينها: آلام متكررة في الصدر، سعال متكرر، ضربات قلب غير منتظمة، غياب عن الوعي، صرع، تعب سريع، ارتفاع في ضغط الدم.
الطب الرياضي من جهته يُعرّف هذا النوع من الوفيات بأنه «غير متوقع» ويحدث بسرعة، في أقل من ساعة، بسبب اضطرابات في الشريان التاجي للقلب أو السكتة القلبية المفاجئة لذا لا بد من إجراء فحوص طبية قبل ممارسة الرياضة القاسية، ويفترض التركيز على فحص النبض في الأطراف السفلى في الجهتين، وفحص ضغط الدم وقوفاً وجلوساً وعند الاستلقاء والإصغاء جيداً إلى صوت القلب أيضاً.


تخطيط القلب
هناك خلل غير محدد ولا معلوم، يتطور فجأة بسبب الجهد الكبير الذي يمارسه الرياضي ويسبب موته أو بموتها. وتحدث عادة حالات كهذه عند الشباب بين 12 و35 عاماً، وبالتالي كل الشباب الذين يعانون أمراضاً خفية غير ظاهرة، قد يتعرضون إلى الموت المفاجئ، غير أن الرياضيين يكونون معرضين أكثر، بنسبة الضعفين، والرجال أكثر عرضة من النساء، وذوو البشرة البيضاء أقل عرضة من ذوي البشرة السمراء.
مطلوب من الأهالي جميعاً، لا سيما من واجهوا حالة موت مفاجئ واحدة في عائلاتهم، إخضاع أولادهم لتخطيط القلب الكهربائي. وفي هذا الإطار يقول الدكتور حربية: «نبدأ عادة بالسؤال عن التاريخ العائلي لمريض ثم نقوم بإخضاعه إلى فحوص سريرية، ثم إلى تخطيط قد يعطينا معلومات واضحة، وقد لا يفي في بعض الأحيان بما هو مطلوب منه، لذا نعود ونلجأ إلى صورة صوتية للقلب، وقد نطلب أحياناً إجراء دراسة على كهرباء القلب عبر عملية صغيرة نمد فيها أسلاكاً من القدم إلى القلب لدراسة عمله».