يروي نزار قباني على لسان شهرزاد في قصيدته «المجد للضفائر الطويلة» «أنه في سالف الزمان كان في بغداد خليفة له ابنة جميلة، شعرها قصيدة طويلة.. سعى لها الملوك والقياصرة.. وقدّموا لها مهراً على صحاف من ذهب.. لكنما الأميرة الجميلة لم تقبل الملوك والقصور والجواهر.. كانت تحب شاعراً يلقي على شرفتها كل مساء وردة جميلة.. انتقم الخليفة السفاح من ضفائر الأميرة.. فقصّها ضفيرة ضفيرة.. وأعلنت بغداد الحداد عامين حزناً على السنابل الصفراء كالذهب.. وجاعت البلاد ولم تعد تهتز في البيادر سنبلة واحدة أو حبة من العنب».
كم من الأساطير حيكت حول الضفائر، وكم ألهمت من شعراء عبر العصور. لم تكن الضفائر رمز الأنوثة والجمال فحسب، بل كانت أيضاً مقياساً للصبر والانتظار، ورمز الوفاء للحبيب، والولاء للذاكرة والوطن.
أقرب مثال على هذا، رئيسة وزراء أوكرانيا السابقة، يوليا تيموشينكو. تلك الحسناء ذات العزيمة الفولاذية والضفائر الذهبية، الذي كان جزء من حضورها الـمُبهر يعود لتسريحة شعرها التي اشتهرت بها، والتي كانت تعتمدها الجدات والقرويات في الدول السوفييتية، برفع ضفائرهن الذهبية بحيث تشكل تاجاً فوق رؤوسهن. تلك الثورية الفاتنة، هزمت بضفائرها كل خطب منافسيها. وهي التي لقبت بـ«قطعة البسكويت غير القابلة للكسر» اختارتها «فوربس» أثناء حكمها ثالث أقوى امرأة في العالم. لقد أشهرت قوتها، حين لفّت ضفائرها حول رأسها، كما يلف فارس سلاحه حول خصره، قبل النزول إلى المعركة. أمّا شمشون الجبار الذي كان يستمدّ قوته من شعره الطويل، فقد خسرها يوم بوحه بسرّه لدليلة، التي غافلته وقصت جدائله.
كما يرفع بائعو الورود شعار «قُلها بالورود» بعد أن غدا الورد ينوب عنا في البوح بكل المشاعر، ثمّة من وجد في شَعره وسيلة لإشهار مواقفه ومشاعره. فقبل نصف قرن كان رجال فيديل كاسترو يشهرون معارضتهم للنظام، بأن يقسموا ألا يحلقوا ذقونهم أو يقصّوا شعورهم قبل أن تتحرّر كوبا. لذا، خلّد التاريخ صورة تشي جيفارا بشعره الطويل.
وقبل سنوات، قام ناشط سياسي كيني بحلق جدائل شعره ابتهاجاً بتقاعد الرئيس دانيل موي، ليوفي بعهد قطعه على نفسه قبل 13 عاماً، بألا يقصّ شعره إلا حين سقوط حكم موي. وقد جرى ذلك في الهواء الطلق، أثناء احتفال شعبي، تدفّق آلاف الكينيّين لحضوره. الرجل الذي سُجن مرات عدة في ظل حكم موي قدّم يومها جدائل شعره التي كانت تنسدل على كتفيه إلى المتحف الوطني الكيني، تذكاراً لكفاحه الطويل من أجل الديمقراطية.
لا أغلى لدى المرأة من شعرها، فهو تاجها، ونصف زينتها، وقصه يعني عند بعض الشعوب عاراً ونوعاً من أنواع القصاص المعلن. لذا، روت لي إحدى السيدات أنها حين حاولت إجبار عاملة منزلها على قص شعرها لأسباب لها علاقة بالنظافة، هددتها العاملة بالانتحار.
بإمكاننا إذاً أن نقيس مدى حزن نساء فنزويلا اليوم، بعد أن دفعتهن الظروف الاقتصادية، إلى قص شعورهن وبيعها مقابل حفنة دولارات.
أمّا الحزن الأكبر، فتختصره صورة لقبر في أرض قاحلة، يرسم الحصى حدوده، وعلى الصخرة التي هي شاهد قبر صاحبه، تركت فتاة أزيدية ضفيرتيها الجميلتين ملتفتين حول الصخرة، تواصلان احتضان حبيبها الذي قتله الإرهابيون.