تتمتع المملكة العربية السعودية بثروة فنية هائلة جداً، على مدى مساحتها الجغرافية مترامية الأطراف، وعلى مدى سنوات ظلت هذه المعطيات بلا إدارة واستثمار على المدى البعيد بما ينعكس إيجاباً على البلاد كما ينبغي.
وفي السنوات الأربع الماضية أعيدت دراسة هذه المعطيات من منظور سياحي وإعلامي واقتصادي، وعلى ضوء ذلك تم تأسيس عدد من الهيئات المتخصصة لإدارة واستثمار المواقع الجغرافية والاستفادة منها، ونظراً إلى رغبة الحكومة السعودية في إحداث قفزة حضارية في نمط الحياة الاجتماعية، أعلن عن إطلاق «مشروع نيوم» في شمال غرب البلاد على البحر الأحمر، وأسست الهيئة الملكية لمحافظة العلا والتي بدأت أول مخرجاتها بمنتج «شتاء طنطورة»، الذي استمر شهرين ونصفاً، وأحدث طفرة ملموسة في المشهد الاجتماعي السعودي، وترك ردود فعل إيجابية عندما تم استثمار العلا كوجهة سياحية، ودشنت المرافق الحياتية المطلوبة، وتم استثمار الجانب التاريخي للمحافظة التي تحمل في طياتها كنوزاً من الآثار لحضارات عاشت في العصور القديمة، وتم تسويق وتصميم فعاليات وأمسيات فنية رفيعة المستوى، شارك فيها نجوم الفن العربي والعالمي، والأبهى في هذا المشروع إنتاج فعاليات تعنى بالثقافة الموسيقية الرفيعة، وتعطي الذائقة الجيدة الفرصة لرفع معدل مخزونها الروحي الذي ينعكس على العقل والقلب ويلبي حاجة الإنسان لهذا النوع من المعرفة.
المدهش في الموضوع تماهي السعوديين مع البرامج ذات الطابع الكلاسيكي الرفيع، عندما استقبلوا كبار الموسيقيين في العالم، أمثال اليوناني ياني والإيطالي بوتشيلي بفهم عميق وتفاعل كبير، لما يقدمونه من فنون مميزة وذات قيمة عالية، مما حقق نجاحاً فاق التوقعات.
ومن ضمن المشاريع المنتظر أن تحدث الفارق وتحقق رواجاً اقتصادياً قوياً، الهيئة العليا لمنطقة عسير المعروفة بمناخها البديع وطبيعتها الخلابة، وهي تحت الدراسة في الوقت الراهن تحسباً لإطلاق حزمة من المشاريع السياحية بغية التسويق والتعريف بمعطيات هذا الجزء المهم من البلاد، وبث الروح فيه بمشاريع ترفيهية تحقق الجذب المطلوب، ومنح الاقتصاد الوطني رافداً مهماً لتوفير رساميل تكفل له الاستقرار المطلوب على المدى الطويل، انطلاقاً من تنويع مصادر الدخل الوطني.
وعود على بدء، فإن افتقار الأقاليم السعودية لبرامج الترفيه المتاح والمنتج محلياً، هو ما دعا المواطنين إلى الهجرة خارج الحدود فيما مضى من الزمن بحثاً عن المتنفسات التي تحافظ على ارتباطهم بالحياة، ويبقي الجمال والمتعة محل بهجة لهم والعائد من وراء توفير نوافذ لحياة مريحة متوازنة مستقرة، يتضح أثرها على المجتمع بأكمله. ومن هنا كانت انطلاقة مجلس التنمية الاقتصادية والاجتماعية الذي أسس للعناية بتنمية الداخل السعودي والنهوض سريعاً بتلبية احتياجاته التي يستحقها، ويطالب بها منذ سنوات، بل إنه حرم منها وهو ما دعاه إلى المغادرة باستمرار إلى خارج حدود الوطن، والمتابع للمناشط السياحية والترفيهية التي تقام في الدول الشقيقة والصديقة، يجد أن نجوم الفن السعودي هم أبطالها، وفي ذلك هدر لمنتج وطني فيه فائدة اقتصادية واضحة التأثير. من هنا تمت إعادة النظر سريعاً ووجهت البوصلة نحو الفن السعودي وإشراكه في دعم الاقتصاد الوطني، وتم استقطاب نجوم الأغنية السعودية للداخل السعودي.
وعلى مدار عام مضى رأينا تلك السعادة الطاغية وذلك الارتياح القوي في داخل المجتمع، عندما قدمت لهم فرصة الاستمتاع بالمنتج الفني السعودي والعربي والعالمي، وكان ذلك الأمر بمثابة تجربة للتعرف إلى انعكاساتها من أجل توطين الأمر فيما بعد، تأكيداً لتلك المفاهيم التي تعزز دور الفن في التنمية والتربية والإصلاح، وتوفير الصحة النفسية جراء ضغوط الحياة اليومية، وهو ما يستدعي قيام المختصين من خبراء وصناع قرار ودوائر بإنتاج المحتوى في تعزيز الحضور الفني في جوانب الحياة، وصولاً إلى الوعي المطلوب بناؤه عند الفرد حتى يبدو نافعاً لوطنه ومجتمعه.