لم تكن فكرة ريادة الأعمال شائعة في منطقتنا حتى فترة قريبة من الزمن، وكانت حكراً على من كان لعائلاتهم تاريخ في التجارة أو اطّلعوا على نماذج ريادة أعمال في الخارج، خلال العمل والدراسة وحملوها معهم عند عودتهم للدولة، ولكنّها نمت اليوم حتى أصبحت دولتنا من أكثر الوجهات جاذبية لروّاد الأعمال والباحثين عن بيئة تُرحّب بالأفكار السابقة لأوانها والمستقبلية، ورغم النجاح الباهر المتحقق حتى الآن، ما زلت أعتقد أن هناك فرصة لانطلاقة جيل جديد من روّاد الأعمال، جيل يبدأ تحضيره من مرحلة رياض الأطفال.
أعلَم أن كثيرين ممن قرؤوا سطوري قد يسارعون للمقولة التقليدية التي اعتدناها: «ولكن في هذه السن بالكاد يستطيعون اللعب وتعلّم أساسيات اللغة. فكيف نرهقهم بشيء مثل ريادة الأعمال؟». قد يكون هناك جانب من الصحة لذلك، ولكن العالم اليوم تغيّر وكل يوم يُطل علينا نموذجٌ لطفل تمكّن عبر يوتيوب أو تطبيق آخر من تحقيق عائدات بالملايين! فهل هذه طفرات أم أن تعريف وفرص ريادة الأعمال تغيّرا بلا رجعة؟
الوصف هو الجزء الثاني من جملتي السابقة، وبداية الحل في نظري هي أن ننظر إلى مدخل عالم ريادة الأعمال، من واقع كونها أسلوب حياة وطريقة تفكير أكثر من كونها أمراً يحتاج لدرجة علمية فقط أو عائلة متمرسة في عالم الأعمال الصغيرة والمتوسطة.
أشارككم في سطوري معادلة طورتها خلال سفري في أنحاء العالم، وتحليلي لبعض النماذج ممن أقرأ عنهم أو أصادفهم على أرض الواقع بين فترة وأخرى. وهي أن يكون محيط أبنائنا منذ الصغر محفّزاً لفكرة ريادة الأعمال في نوع الأنشطة التي يمارسونها، والألعاب التي نختارها لهم، والعنصر الآخر هو أن نُشرك الأبناء في قراراتنا المتعلقة بالشراء والتسوق، ونشرح لهم المنطق وراء أساسيات التعامل التجاري الذي يمر في حياتهم.
العنصر الآخر في المعادلة هو أن نجعلهم يتقمصون أدواراً أثناء لعبهم، يشبه نماذج حقيقية موجودة في المجتمع ونشرح لهم كيف أن هوايتهم ولعبتهم المفضلة صالحة أن تكون مشروعاً ونجعلهم يمارسون ذلك في المناسبات المختلفة.
وأهم ما في هذه المعادلة أن نقنع أبناءنا بأن الوفرة المالية ليست هي الحكم الفصل في نجاح أو إطلاق المشروع، وأن الفكرة في حد ذاتها ومدى اقتناعنا بها وحبنا لها تعتبر بالأهمية نفسها لرأس المال وأحياناً تفوقه. بفضل الله ورؤية قيادتنا ليس هناك شُح في الجهات الحاضنة لرواد الأعمال من القطاعين العام والخاص، ولكن أرى أن خامة ريادة الأعمال تنبت في كثير من الأحيان منذ الصغر وفي المنزل. فهل نحن اليوم قادرون على تحويل أسرنا إلى أسر ريادة أعمال؟ الدعوة عامة.