في كل لغة هناك صيغ لغوية ثابتة، تظل تجري على الألسنة وتتولى برمجة الأذهان والتصورات، ويغلب أن نستسلم لها من دون تبصر أو نقد، فصيغ مثل (علوم الرجاجيل) وعمل رجولي، والرجولة عماد الخلق الفاضل (حسب حمزة شحاتة) ستظل صيغاً ثابتة في الخطاب الثقافي، وكذلك ستظل تجري من دون مساءلة، بل ستقولها النساء تماماً كما يقولها الرجال، ولن يشعر أحد بأن التركيز على مفردة الرجال مع إغفال مفردة النساء له دلالة ثقافية بعيدة ومتعمقة.
ولنقارن عبارة (حكي نساء) أو كلام حريم مع عبارة علوم رجال، وسنعرف أن الصيغ المسندة للنساء تنطوي على تقليل شأن ما هو نسوي مقابل تبجيل ما هو رجولي.
وهذا ناتج لأزمنة ثقافية مرت على النساء، حيث كن في مقام ثانوي، وكن بعيدات عن كل ما هو ثقافي، قراءة أو كتابة، وبالتالي كن بعيدات عن إنتاج الثقافة، والرجل وحده هو المتخصص في كل أمر ثقافي، ولذا تكون علومه هي موضع التبجيل، وللنساء الجهل وكل ما هو نسوي، فهو خارج معيار الثقافة.
تلك هي حال الثقافة البشرية في عصورها السحيقة وفي بيئاتها كلها، أما وقد تعلمت المرأة وصنعت لنفسها كرسياً في الثقافة وفي المؤسسة، فإن الوقوف على الصيغ الثقافية ونقدها أو التفكر في أسباب نشوئها واستقرارها، يصبح ضرورة ثقافية تكشف أسباب التصنيف وصناعة الطبقيات، كالطبقية التي تخص الرجال بالفضل والتميز، وفي الوقت ذاته تقلل من كل أمر منسوب للنساء لدرجة تصنيف الحكي بين علوم للرجال وحكي للنساء، وإن كنا لن نستطيع حذف الصيغ الانحيازية من معاجم اللغة إلا أن في مقدورنا نقد الخطاب، وعبر نقد الصيغ سوف نشيع معاني الوعي الجديد والمختلف لزمن تعلمت فيه المرأة وأصبحت داخل المؤسسة الثقافية والإنتاج المعرفي، ولم تعد لغتها أقل من لغة الرجل ولا صفاتها أقل من صفات الرجل.