يُعرف «طب الألم» بأنه فرع من فروع الطب، يهدف لتيسير معاناة أصحاب الأمراض المزمنة وتطوير جودة حياتهم، ويتكون فريق «طب الألم» من أطباء علم نفس وعلاج فيزيائي وممرضين، هدفهم تخليص المريض من آلامه، فهو ليس طباً بديلا.

انطلق طبّ الألم في علاج الأمراض السرطانية وتطور ليشمل مختلف الأمراض الأخرى، لا سيما منها بعض أنواع آلام الرأس وزنار النار وأوجاع العضلات، التي تنتج عن خلل في وظيفة العصب، والتي تؤدي إلى آلام تدوم أشهراً بينها آلام في الرقبة وفي الكتفين والأصابع وآلام الروماتيزم والآلام التي تتسبب بها جلطات الدم والفالج وآلام الحوض.
كل هذه الآلام قد تنتهي بسرعة أو قد ننجح في تجنبها، إذا خضعنا لعلاجات طب الألم. تسألون عن ماهية طب الألم؟ عن قدرات طبيب الألم؟ متى يُستدعى ومتى لا يُستدعى؟
طبّ الألم.. بات اختصاصاً قائماً في ذاته، ويُشارك طبيب الألم في تخفيف الألم بطلب من المريض أو من الاختصاصي الذي يعالج المريض. ومهمته الأهم تكون بعدم السماح ببقاء الألم مدة طويلة. وكلنا نعلم أن الألم يبدأ حاداً ثم يتضاءل تدريجياً، لكن في حال لم تنجح الأدوية ومشتقاتها، من مضادات التهاب العصب، في شفاء المريض من آلامه، يُصار إلى اعتماد وسائل أخرى مباشرة في تخفيف هذا الألم، عبر وضع قسطرة مثلاً في العصب اليابس أو المريض، يُحقن عبره بأدوية تخفف من حرارته ويباسه، ما يجعله يهدأ تدريجياً وتعود إليه الحياة ويتوقف الألم. ويهم أن تعرفوا أن الألم، في ذاته، يفبرك ويصنع هرمونات ألم إضافية تزيد المشكلة احتداماً وتُسرّع موت العصب. لذا تكون مهمة طبيب الألم مزدوجة: إطفاء بركان الألم المتفاقم وإعادة الخلايا العصبية إلى وضعها الطبيعي.

جرس إنذار
صحيح أن البشر ينشدون التخلص من الألم ويتمنون لو لم يكن موجوداً، وهذا التمني ينسحب على الجميع، غير أنه يجب ألا يغيب عن البال أن للألم فوائد، فهو بمثابة جرس إنذار يُحذر المريض من وجود علة ما في مكان ما. ولنأخذ مثلاً حالة التهاب الزائدة الدودية في الجسم، حيث يسارع المريض، حين يشعر بالألم، إلى طلب العلاج قبل استفحال الداء وانفجار الزائدة وتسببها بمشاكل أخرى جمة قد تصل إلى موت المريض. الألم إذاً إشارة إلى مكان الإصابة أو الخلل وهو رد فعل سريعة للحماية من الخطر، كما يحصل عند ملامسة الأسطح الساخنة، وقد يكون للألم أحياناً دور في العلاج أيضاً، وهو ما يحصل عند تمزق عضل ما، فالألم في هذه المنطقة المصابة يمنع الجسم من تحريكها ما يُوفر للعضلة الراحة فتلتئم.

إدارة الألم
هناك من يستعينون بمقولة «قليل منه يُحيي الإنسان» حين يتكلمون عن ماهية الألم وطب الألم. وبالتالي يفترض البحث في كيفية إدارة الألم لا إلغائه بالكامل، أي التعامل معه بعد أن يفقد وظيفته ويُصبح عبئاً على المريض ويتسبب له بمعاناة مستمرة وشديدة. ومعلوم أن الألم يحدث حين تنتقل الإشارات الكهربائية من الأعصاب إلى الحبل الشوكي ثم إلى الدماغ الذي يعرف حينها بوجود مشكلة تحدث يفترض التصدي لها؛ لذا حين يحترق إصبعنا نعمد إلى إبعاده فوراً عن مصدر النيران، وفي حال عضنا كلب يحثنا الألم على الهروب. وهنا لا بُدّ أن تعرفوا، أنه إذا كان ممكناً قياس درجة الألم عند الكبار بسؤالهم مباشرة عن هذا، فإن قياسها عند الصغار، غير القادرين على التمييز والتعبير، تكون برصد التغيرات التي يُحدثها الألم في أجسادهم مثل سرعة النبض وزيادة العرق في الكفين وصرير الأسنان وحركة الجفنين، وتعابير الوجه التي قد تتدرج من العبوس إلى الانفعال الشديد والبكاء.
علاج الألم يبدأ بعلاج السبب. يُصار إلى علاج الإنفلونزا مثلاً بالأدوية والراحة. ألم الزائدة الدودية يعالج بالجراحة. أما آلام الصداع فقد يكون علاجها عبر الجيوب الأنفية. لكن ماذا لو صعب تحديد السبب المباشر أو لم يرضخ الألم إلى محاولات قمعه على الرغم من استنفاد كل أنواع العلاجات المتاحة؟ هنا يتدخل طبيب الألم معتمداً على بنود عريضة، تبدأ باستخدام العقاقير المسكنة البسيطة ثم القوية أو المخدرة، وقد يلجأ الطبيب إلى تخدير الأعصاب الطرفية عبر حقن مخدر موضعي، تضاف إليه في بعض الحالات مادة الكورتيزون، وقد يلجأ الطبيب إلى كي الأعصاب الطرفية في جذور الأعصاب وقد يستخدم الموجات الكهربائية في العلاج، أسوة بما كان يفعله الفراعنة.
تتألمون؟ تكلموا، عبروا، اصرخوا. فالألم إشارة ولكل ألم في عصر يقوى فيه «طب الألم» حلول.

المسكنات.. من الفمّ الى الدماغ
ماذا عن عمل المسكنات، من عائلة «الباراسيتامول»، التي يلتهمها البشر في كل مرة يشعرون فيها بألم وبتوعك؟
يعمل هذا النوع من المسكنات على عرقلة مسار الألم، ومنع بلوغه الدماغ حيث يصدر الشعور بالألم. فعند ابتلاع هذه المسكنات يتوقف الجسم عن صناعة «البروستاجلاندين»، وتذوب الحبوب المسكنة في البطن ويمتصها الدم وتنتقل في الجسم لتصل إلى كل البقع والنقاط المؤلمة وإلى الدماغ ما يسهم في تخفيف الألم، ويُصار في مكان الألم، مثل الحلق الملتهب أو الذراع المكسورة أو الإصبع المحروق، إلى صنع كثير من المواد الكيميائية وإطلاقها في الجسم وهذه المواد تتسبب هي أيضاً في تعزيز الشعور بالألم وتجعل الجسم يُرسل مزيداً من الدم المتدفق إلى موقع الألم لهذا نرى هذه المنطقة غالباً حمراء ومتورمة.