من منّا لم يسمع مؤخراً عبارة أنّا (ملان) أو مللت يقولها أبناؤه؟ وغالباً ما يكون ردّنا هو دعوة الأبناء لاقتراح ما يُحبّون أن يفعلوه، أو المكان الذي يرغبون بتمضية نهاية الأسبوع، أو وقت فراغهم فيه، أو أن يُطوى النقاش لمناسبة أخرى يُطرح فيها مجدداً. كثيرون يلجؤون لحلول لحظية أو يتركون الأبناء للعثور على حل بطريقتهم الخاصة. بنظري الملل ليس نتيجة لقلة الخيارات لما يمكن أن يفعلوه، ولكنه نتيجة قد ترافق أسلوب الحياة العصري الرقمي إذا لم نتوصل لمعادلة تُمكن الأبناء من الاستمتاع بكل ما في يومهم.
يتردد في قنوات التواصل وأحاديث الشباب، موضوع المهارات التي يتمنى شباب اليوم لو تعلموها في مراحل الدراسة الأولى بدءاً من سن رياض الأطفال والمدرسة، قبل أن يصلوا لمرحلة الجامعة والعمل. وهي قائمة تبدو بسيطة، ولكنّها تحمل معنى كبيراً في حياتنا العصرية، وتضم مهارات مثل: فنون التواصل، والتفاوض، والبرمجة، وتدوين الفيديو (الفلوج)، وريادة الأعمال، وإدارة المشاريع الصغيرة.
هي في ظاهرها مهارات معقدة وتحتاج إلى معاهد لتدريسها، ولكنّها في الواقع ترتبط بأسلوب الحياة الذي نختاره لأبنائنا منذ الصغر؛ لذا فكّرت لماذا لا يكون ردّ الوالدين على أبنائهم في كلّ مرة يشتكون من الملل، أن يمنحوهم هدية من المستقبل، هدية تجعلهم يستيقظون مصممين على أن يكون يومهم مختلفاً عن اليوم السابق، وفي الوقت ذاته الذي يتلقون فيه تعليمهم بمراحله المختلفة يكبرون وهم في قلوبهم وعقولهم، روّاد أعمال ونواة لخبراء اتصال ومفاوضين ماهرين.
كل ما نحتاجه لنغرس نواة هذه المهارات فيهم هو محاولة خلق الاهتمام لديهم، من خلال تقديم نماذج لهم عن أهمية هذه المهارات من خلال سلوكنا معهم ونوعية النصائح التي نقدمها لهم، للتعامل مع المشكلات التي تواجههم، وذلك لتوظيفها في حل ومواجهة مواقف الحياة المختلفة، وكذلك أن نختار لهم من التطبيقات الذكية الكثيرة المنتشرة عبر متاجر التطبيقات، لتعليمهم مهارات مثل البرمجة بطريقة اللعب. والمهمة أسهل مما نتوقّع؛ لأن أسلوب حياتهم وتعلقهم بالعالم الرقمي ومنصات مثل اليوتيوب على سبيل المثال، يعتبر نافذة لاكتساب هذه المهارات بمشاركتهم في اختيار المحتوى بمراحل عمرية مبكرة.
هذه المسؤولية لا تقع على عاتق الأهل فقط، ولكن البداية عندهم، ويقع جزء كبير من مسؤولية إكساب هذه المهارات على عاتق المدرسة والجامعة لاحقاً، جنباً إلى جنب مع المواضيع المتنوعة التي يتلقاها أبناؤنا على مدار السنوات الدراسية. أسميت هذه المهارات «هدية المستقبل» لأنني أؤمن أن ما كان مناسباً لنا بالأمس وأوصلنا لما حققناه، ليس بالضرورة أن يكون كافياً لأبنائنا غداً. ميزة هذه الهدية أنها قابلة للتشكيل والتنسيق حسبما نرغب فهل فكرتم بهديتكم المقبلة لأبنائكم؟