إن مشاعر الإنسان هي المحرك الأول لتصرفاته، وتأتي المصالح كمحرك آخر، ولكنها في مجال محدود، ثم تأتي القيم والمبادئ والعادات الاجتماعية كمحرك لسلوك الإنسان، ولكن المشاعر هي التي أريد الحديث عنها، لأنها الأصدق بالتعبير والخالية من المؤثرات الخارجية.
فحينما نكره أو نحزن أو نغضب تكون هناك تصرفات على علاقة مباشرة بحالتنا النفسية، ولكنها تصرفات وقرارات آنية تزول بزوال المؤثر، الذي أملى علينا تلك التصرفات القولية أو الفعلية، ولكننا حينما نحب فإن تصرفاتنا تأخذ مداها بالاستمرارية قولاً وفعلاً.
حينما نحب لا نشعر بالاكتفاء، شعور الإحساس بالمزيد يضل مسيطراً علينا، وحالة القناعة لا تمر ببال العاشق، وهذا الشعور الجميل من أجمل المشاعر التي تملي على المحب العمل من أجل حبه، ويكون خياله حاضراً ووعد المزيد يكون حاضراً، وإحساسه بأن من يحب يستحق الأكثر، هو ما يجعل ديمومة المشاعر والحب نابضة بالحياة.
حينما نحب يصبح عيد ميلاد من نحب هو عيداً حقيقياً، وفرحة العاشق به لا تقل عن فرحة من يحتفل بعيد ميلاده، ويكون عيد من نحب أكثر منه عيداً لنا، ويكون ذوقه في الطعام هو المفضل لنا، والبلد الذي يحب هو ما نحبه.
حينما نحب ونذوب فيمن نحب، تتقلص اختياراتنا، وتصبح اختيارات من نحبه هي اختياراتنا، وقراراته قراراتنا، وكأن العاشق الحقيقي هو المسلوب من إرادته، وقد ينكر أحدهم ذلك، ولكن الواقع يشير إلى أن اختيارات من نحب تكون على وفاق مع كينونة الحب، فلن تكون اختيارات من نحب تحمل من السوء أو الكراهية بالظرف الطبيعي.
حينما نحب نخرج من دائرة الوقت، لنجعل أوقاتنا هي ما يتناسب مع وقت من نحب، وألبستنا هي ما تعجب من نحب، وكأن العاشق الحقيقي يمزق «كاتالوجه» الخاص بالحياة، ويتبنى «كاتالوج» من يحب بكل ما فيه من طموحات وآمال وتعابير وأقوال.
حينما نحب يجب أن ندرك أننا نحب، لأننا نصبح أشخاصاً آخرين، نفكر بمن نحب ونبتسم، حتى في الأمكنة العامة، نرى بذاكرتنا أكثر مما نرى بأعيننا، نتذكر قصصاً وأحداثاً مررنا بها فلا نمل إعادة سردها، نستمع إلى أغنية نعرفها فنعلن حبنا لها من دون أن نفكر بالمبرر لهذا الحب، بأن كلمات الأغنية جميلة أو أن لحنها جميل أو صوت المطرب رائع، هكذا هو الحب من دون مبرر لأن من نحبه يحبها.
حينما نحب يكون الكتاب الذي قرأناه معه من أجمل الكتب، وذلك الشاعر الذي قال قصيدة تشبه حالتنا في الحب، من أفضل الشعراء، ويصبح الروائي الفلاني من أصدقائنا لأننا قرأنا روايته معاً، حينما نحب يتغير شكل كريات الدم فينا، وشكل الأنسجة والأعصاب، كلها تأخذ لوناً رومانسياً عاطفياً محبباً.
شعر

أأكون أول قصة في الحب
أأكون من أشعلتُ فيكِ براءةَ التاريخِ
أول من يبدد عن مواسمك الحذرْ
فانتبهتْ حقولك حين أثقلها الثمرْ
أأكون أول خفقةٍ للقلب
علمت ثغرك أن يقول أنا هنا
أول عاشقٍ أهداك أبواب السهرْ
علمت خصرك أن يقول هنا سينكسر الوترْ
أأنا الذي فجرت في فمك السؤال
لا تأسفي وتحاذري كل الذي ما بيننا
وراح ينشد عن إجابته القمرْ
قد كان من صنع القدرْ