كان البيت العائلي دافئاً بالأولاد، يساعدون والدهم في هم الفلاحة والتجارة، كانوا سبعة ذكور: عيد، ميلود، رمضان، بلعيد، شوال، ربيع، وسعيد. لهذا تزوج الأب من زوجة ثانية أملاً في طفلة تكسر رتابة الذكورة القاسية، لكنها كانت عاقراً؛ لهذا عندما حملت أمهم للمرة الثامنة طلبوا من زوجة أبيهم أن تلوح لهم بالمنديل إذا أنجبت أمهم بنتاً، وكانوا قد اتفقوا مع أمهم على أن يسموها ودعة، فيعودون، وبالمنجل إذا أنجبت ذكراً، فيهيمون على وجه الأرض. كانت زوجة الأب شديدة الغيرة، على الرغم مما يظهر عليها من محبة وتودد. ويوم النفاس صعد الإخوة السبعة إلى قمة جبل النار وانتظروا إشارة زوجة الأب، انتظروا طويلاً لأن الولادة كانت عسيرة. فكروا في العودة والسهر على أمهم لكنهم لم يكونوا قادرين على تحمل حزن والدهم. فجأة ظهرت زوجة الأب وهي تقف على الهضبة، في يدها اليمنى منديل بنفسجي، وفي اليد اليسرى منجل. انتظروا، على أحر من الجمر، أن ترفع شيئاً لكنها تأخرت. صلوا في أعماقهم لكي ترفع المنديل مما يعني عودتهم. فجأة رفعت المنجل عالياً، مما كان يعني أن والدتهم رزقت بذكر ثامن. التفتوا صوب التيه ومشوا في مسالكه الوعرة مطأطئي الرؤوس. بينما كان الفرح مثل العرس في البيت؛ لأن الأم أنجبت بنتاً وسمتها ودعة كما اتفقت مع أبنائها درءاً للعين. انتظر الأب وزوجته وضرتها عودة الأبناء، لكن بلا فائدة. في المساء الثاني انتظروهم على الهضبة ولم يعودوا. تعاقبت الليالي حتى يئس الجميع من عودتهم. بكت الأم حتى فقدت البصر؛ لأنها كانت تريد أن تسعد أبناءها بودعة كما فعلت مع والدهم.
في يوم من الأيام، كانت ودعة تلعب بالكرة، فجأة سقطت كرتها في باحة أحد البيوت، فخرجت امرأة ونظرت إليها شزراً، وقالت لها بعنف: ليست المرة الأولى، لو كنت شاطرة كنت رحت تبحثين عن إخوتك فأنت السبب في تيههم؟ عادت ودعة غاضبة إلى البيت وطلبت من أمها أن تشرح حكاية ضياع الإخوة السبعة. قصت عليها الأم كل شيء. تساءلت ودعة بعد أن عرفت كل التفاصيل: ربما يكونون قد ظنوا أنك أنجبت ذكراً آخر. طلبت من والدها أن تذهب للبحث عن إخوتها. نهرها لكنها أصرت. قال لها اكبري قليلاً وسنرى. بعد سنوات رجعت إلى والدها وذكرته بوعده. جهز لها حصاناً قوياً، وكتب لها عند الفقيه كتاب المسافات، وهو عبارة عن حجاب الرفقة وكأنه إنسان، وأخبر ابنته أنه سيكون قريباً منها في رحلتها. خرجت مع العبد مسعود وزوجته مباركة، كلما قطعت مسافة نادت والدها: أين أنت يا أبي؟ فيرد الحجاب: وراءك يا ودعة. وراءك. لم يكن العبد يعرف سر الحجاب، لهذا كان مصدقاً هو أيضاً. ولأيام طويلة ظل الصوت يجيب. فجأة شك الخادم، وكان يعرف المسالك جيداً. نزلوا لقضاء حاجة، بينما مد هو يده تحت السرج، فوجد الحجاب الرفقة، فمزقه. ولم يعد الصوت يسمع إلا قليلاً حتى غاب. نزلوا إلى العين المسحورة لشرب الماء. كل من يشرب منها يتغير لونه. فأصبحت العبدة بيضاء وودعة سوداء. وانقلب الوضع كلياً. ركبت العبدة على الحصان، بينما ظلت ودعة تمشي. وبعد بحث طويل استدل مسعود إلى مكان إخوتها السبعة، وقدم لهم زوجته مباركة على أساس أنها أختهم، بينما وجهت ودعة نحو رعي الإبل، وكانت كل يوم عندما تشبع الإبل من الكلأ تناديها فتحيط بها وتغني لها بحزن: ابك ابك يا إبل أمي وأبي. أنا ودعة مشتتة سبعة. ذات مرة، سمع رجل، كان عائداً من السوق، نحيبها. سألها: ما بك يا امرأة. حكت له قصتها كلها. أخذها معه إلى بيته وهناك اتفق معها على شيء يعيد لها حقها وينتقم لها من ظلم الآخرين.